دعوة للتفاؤل

أصبح لدينا واحد من أفضل الأنظمة الانتخابية وأكثرها عصرية، رغم الخلل في بعض تفاصيله. وهو أكثر تقدما مما كان يمكن لقوى سياسية واجتماعية ونواب أن يقترحوه لو نيط الأمر بهم.اضافة اعلان
استغرب البعض حماسي وترحيبي بقانون الانتخاب الجديد عندما قدمته الحكومة، ثم حملتي القوية ضد إقراره "كما جاء من الحكومة" في أيام نقاشه في اللجنة القانونية النيابية وتحت القبّة. لكن من يتابع ويهتم بالتفاصيل، يفهم القضيّة.
فهذا القانون من حيث إطاره العام والنظام الانتخابي فيه، هو الخيار الأكثر تقدما، وفي الوقت نفسه الأكثر ملاءمة للواقع الأردني، وكان يجب دعمه والترحيب به وتمكينه، وردع الحملة (الرجعية في الجوهر) المعادية له. وكنت مسرورا أن مجلس النواب قبله ورحب به في القراءة الأولى. لكن بعد ذلك دخلنا في مهمّة إصلاح بعض مكامن الخلل وإدخال بعض التحسينات التي تجعله نموذجيا في الإجمال وفي التفاصيل. وكنت أعتقد أن هذا ممكن بيسر وسهولة. ثم، شيئا فشيئا، اكتشفت تعنتا حكوميا في الانفتاح على أي تغيير، مع أن تقديم هذا القانون نفسه ينم عن عقلية منفتحة ومتنورة، لكن العادات القديمة للسلطة لا تتغير كما يظهر، وهم لا يحبون أن تكون أي من خياراتهم موضع مراجعة أو تغيير.
ومع علمي أن الأمل ضعيف، إلا أنه لم يكن ممكنا التخلي عن واجب العمل من أجل تعديلات كنت أرى أنها ضرورية لتقدم الحياة السياسية والتمثيل النيابي، وهي في الوقت نفسه لا تشكل خطرا أو مغامرة غير محسوبة العواقب، ويمكن أن تختصر الكثير من الوقت في مسيرة الإصلاح. والشيء المؤسف أن المحاولة تحت القبّة هي أسوأ من المحاولة مع الحكومة أو على نطاق أضيق في اللجنة القانونية؛ فلا أحد يسمع أحدا، وأفضل الأفكار تسقط بالتصويت بكل بساطة.
وكنت قبل كتابة هذا المقال أراجع بريدي الإلكتروني لمواد قديمة أثناء الحوار الوطني العام 2011، والتوجه المطروح للتغيير. وتعجبت أنني كنت أكتب مقترحات مفصلة وبدائل مع أمثلة تطبيقية تناقش وتعالج الإشكالات وتتحوط للمخاوف المطروحة، وكنت أتداولها مع المعنيين في الحكومة في حينه، وكأنني أخاطب بها ما جرى هذه الأيام، بما في ذلك تقسيم الدوائر الانتخابية؛ إذ اقترحت كل محافظة دائرة واحدة باستثناء عمان أربع دوائر، ودائرتين للزرقاء، ودائرتين لإربد، لكن فوجئنا بالإصرار على أربع دوائر لإربد.
يجب أن نفكر بطريقة إيجابية مع المعطيات. فما تم هو أنه يبدو أن علينا القبول بأنصاف الحلول، ونعطي للتجربة أن تقول لنا عن مفاعيل انعطافة نوعية كبيرة. لقد غادرنا "الصوت الواحد" والنظام الفردي، وكبّرنا الدوائر مع أن المقاعد الفردية للدوائر الصغيرة بدا وكأنها أصبحت حقا مكتسبا لا يمكن تجاوزه. وانتقلنا إلى نظام قوائم نسبية غير مألوف للمجتمع، كانت النخب نفسها، في غالبيتها، وحتى وقت قريب، لا تفهمه ولا تقبله. ومن حيث المبدأ، فقد حقق قانون الانتخاب الجديد سلفا حراكا سياسيا ثقافيا واسعا، وطرح على الطاولة مفاهيم ومضامين سياسية للانتخابات لم تكن مطروقة من قبل. وهذا الحراك سيتعمق مع اقتراب الانتخابات؛ إذ ستكون هناك مقاربات مختلفة كليا عند الناخبين والمرشحين والقوى السياسية والعشائرية والمجتمعية عموما لموضوع الانتخابات، وهو ما سيؤثر على المناخ العام السياسي والاجتماعي، مع الأخذ بعين الاعتبار عناصر التغيير الأخرى، وفي مقدمتها قانونا اللامركزية والبلديات وانتخاباتهما.
لم نحصل على كل الكعكة. لكن ليس سيئا أبدا أننا حصلنا على نصفها. ويكفي أنه من حيث المقارنة بالوضع المحيط، هو قالب حلوى وليس مفخخات وبراميل متفجرة.