دفاعا عن التاريخ .. الأردن وفلسطين

في ظل التردي المعرفي تزداد أهمية الإعلام، فالناس لا تقرأ كتبا ولا تهتم بما ينتجه الباحثون، ويتسيد الرويبضات الذين يقولون ما يطلبه الجمهور، تحريضا وتعبئة ولعبا على الغرائز، وبلا وعي يسهم الإعلام في إخفاء الحقائق والوقائع لصالح المواقف المستندة إلى الأوهام والأكاذيب والجهل.

اضافة اعلان

من يتصفح كتاب المؤرخ الدكتور محمد أحمد محافظة "العلاقات الأردنية الفلسطينية السياسية، الاقتصادية والاجتماعية 1939-1951"، يعجب بحجم الجهد العلمي المبذول بقدر ما يحبط من حجم التجاهل والتغييب لمثل هذا العمل الذي صدرعن دار الفرقان عام 1983. وهو وإن كان جهدا علميا خالصا لوجه الحقيقة فإنه يقدم خدمة سياسية عاجلة، خصوصا في هذه الأيام التي يعلو فيها نعيق المبشرين بالخراب والاحتراب.

ليتجادل الناس في الهويات البنفسجية والليلكية، وليبحثوا في خيارات المستقبل وحدة أم انفصالا، وليتبادلوا الشكوى، وليبدلوا المواقف، لكن ليس من حق أحد أن يتنكر للتاريخ ووقائعه. وهذا التاريخ لا يتلخص في أحداث السبعين ولا في فك الارتباط عام 1988. يعود الكتاب إلى جذور العلاقة الحديثة منذ الحرب العالمية الأولى، لم يكن اسما الأردن وفلسطين قد تبلورا، فقد احتج شيوخ العشائر في الأردن (عودة أبو تايه، حمد بن جازي، حسين الطراونة..) لدى "المدير العام لبلاد العدو المحتلة الجنوبية" على ما أذاعته الحكومة البريطانية أمام طائفة من أعيان القدس والمتضمن فصل فلسطين عن سورية وجعلها وطنا قوميا لليهود. وفي نهاية الاحتجاج يؤكدون استعدادهم لبذل دمائهم وأرواحهم في سبيل أوطانهم.

كان ذلك في 1920، وفلسطين بالنسبة لشيوخ العشائر(كم شوهت كلمة العشائر في أيامنا!) هي سورية الجنوبية ومن معان إلى حلب سورية الشرقية. وفي العام ذاته اشترك أبناء شرق الأردن ممثلين بزعماء الكرك وشيوخ بني صخر في "المؤتر الفلسطيني الثاني" المنعقد في دمشق. وقرر المؤتمر اعتبار فلسطين " جزءا من سورية وأن الخطر الصهيوني خطر على جميع سورية". هل تمتلك نخبنا "المتعلمة" اليوم وعي الأجداد؟

فلسطينية الأردنيين لم تقتصر على المواقف، بل تطورت إلى عمل مسلح بدأه علي خلقي الشرايري في تأليف العصابات التي تقاتل الإنكليز والفرنسيين والصهاينة، وتركز العمل على المناطق الشمالية من فلسطين (مستعمرة المطلة، تل الحي..)، حتى أن فريقا إسرائيليا اقترح الانسحاب من تلك المستوطنات إلى حين تتمكن السلطات الفرنسية من وضع حد لتلك الهجمات التي أدت إلى مقتل الزعيم الصهيوني جوزيف ترمبلدور وستة من رفاقه في 1 آذار 1920. وفي 20 نيسان من العام ذاته استشهد زعيم شناحية الكفارات الشيخ كايد العبيدات وعشرة آخرون في غارة على المستوطنات الصهيونية في سمخ عندما قصفتهم الطائرات البريطانية.

ما نزال في 1920 ولم نصــل لموضـــوع الكــتاب (39 - 1951)! لو كنت مكان وزير التربية والتعليم لقررت الكتاب في امتحان الثانوية العامة، ليس فقط دفاعا عن التاريخ بل عن المستقبل أيضا.

[email protected]