دفعة على الحساب والباقي أعظم

أحد التفسيرات اللافتة على التغييرات في الديوان الملكي، جاء في أحد التقارير الصحفية يقول إن وضع شخصية فنّية وإدارية بحتة لرئاسة الديوان الملكي يهدف لإنهاء حكومة الظلّ في الديوان وإعطاء حكومة الرزاز الحرية والمسؤولية الكاملة أو الولاية العامة كما ينادي بها الرأي العام.اضافة اعلان
هذا التفسير، أيا كان نصيبه من الحقيقة، يدعم الرئيس الذي تضرر كثيرا من الانطباع العام عن التشكيل الوزاري. وكما نعلم فإن فجوة ثقة هائلة في هذا الشأن تستمر بين السلطة والرأي العام، وقد تم هدر الفرصة الكبيرة التي توفرت بتكليف شخصية نظيفة عفيفة من خارج العلبة القديمة مع سيادة الانطباع بأن الكثير من المناصب كانت مفروضة ناهيك عن عودة نصف الحكومة السابقة. ومن يجزم بالحقيقة؟! ما دام تشكيل الحكومات وتداول المناصب يجريان كما هو الحال دائما خارج أي سياق سياسي حزبي برلماني.
رئيس الحكومة متابع جيد لما يدور على وسائل التواصل الاجتماعي ويعي الموقف الناشئ عن خسارته رصيده العالي عند التكليف، وقرر أن يبدأ بهجوم معاكس يعيد تسليط الضوء على "النهج" وليس على الأشخاص من خلال سلسلة قرارات تكون بمثابة دفعة على الحساب لنهج محتلف. ثمة محدودية للهامش المتاح؛ فمعظم القرارات تحتاج الى تعديل في التشريعات وبعضها لا يمكن أخذه بقرارات ارتجالية متسرعة. قرار خفض النفقات العامة لهذا العام بمبلغ 150 مليون دينار هو قرار ضخم ومهم إذا ما علمنا أن الباقي للعام 6 أشهر فقط، فالمبلغ يماثل خفض 300 مليون على موازنة عام كامل. لكن هذا قرار نوايا لأنه يجب أن يترجم الى اقتطاعات محددة على مختلف المستويات، وقد كان الرئيس سيكسب نقطة قوية جدا لو أعلن أن أول تخفيض ضمن هذا المبلغ سيبدأ فورا من رواتب الوزراء وكبار المسؤولين.
المزاج العام ليس إيجابيا ويحب الجميع أن يقرأ فقط هجومات وانتقادات قاسية وتزدهر النكات اللاذعة ويتكشف الأردنيون عن حس فكاهة مبدع للغاية، لكن هناك عمليات تشهير بالأشخاص كلها افتئات وظلم لا يقبله ضمير. لكن السؤال السياسي الأخير المطروح على القوى الديمقراطية وأصحاب الرأي من الوسط الديمقراطي والإصلاحي؛ ما هو الموقف الآن من الحكومة؟! هل نحمل عليها أم ندعمها؟! إجابتي الفورية أن الحملة على الحكومة الآن وإضعاف الرزاز يصبان مباشرة في مصلحة قوى الفساد وأعداء الإصلاح، ويجب النظر الى الأمر من زاوية التجاذبات التي تحكم المرحلة، فقد يكون تشكيل الحكومة قد خضع لتوازنات ولتأثيرات واعتبارات تقليدية بما في ذلك الاعتبارات الفاسدة التي يخضع لها تدوير المناصب، لكن الصراع مستمر وستعمل القوى التقليدية على إفشال الرزاز وسقوطه سيشكل نكسة حاسمة للإصلاح، ولا يجوز للقوى الديمقراطية والإصلاحية أن تسهم في إضعاف الرجل بل يجب دعمه وتقويته. يمكن بالطبع بل يجب طرح الأفكار والسياسات الإصلاحية المطلوبة والضغط بشدة من أجلها، فالإصلاح ليس مسألة قرار، هو قبل ذلك وبعده عملية صراع سياسي اجتماعي واقتصادي في المجتمع، وأعتقد أن الرئيس هو حليف صادق للإصلاح والتطوير والعدالة الاجتماعية والديمقراطية.
اجتهد الرئيس في تقديم دفعة حسن نوايا على الحساب، لكن الأكبر والأهم ما يزال على الطريق ويحتاج إلى كل ما في ترسانة الفكر الإصلاحي من مخزون وما في المجتمع المدني من طاقات.