دمج إداري أم مجرد فك ولصق؟ (2-2)

حسني عايش وكانت الثقافة والشباب ذات يوم في وزارة واحدة، ثم تبين فيما بعد أن الوزارة لا تعمل بكفاءة لحذفه أيا منهما، ربما لأن إحداهما سادت على الأخرى، أو تعطلتا ففصلتا! وها هي لجنة التحديث تعيد وصلهما. الثقافة في المجتمع الدولة وظيفية (Function) والشباب وظيفة أخرى، يجب ان يكون لكل منهما عضوه الخاص المستقل لإدارتها، ولا يصح ذلك بتعيين أمينين عامين في الوزارة نفسها، فقد رأينا فشل هذه التجربة في وزارة التربية والتعليم أكثر من مرة. أما بقية الوظائف الخاصة بالشباب كالتعليم، والصحة.. فتقوم به وزارات أخرى كالتربية والتعليم، والتعليم العالي، والصحة، ومؤسسة التدريب المهني.. وتقرر اللجنة الكريمة وخبراء الإدارة المحترمون الذين استعانت بهم دمج وزارة العمل في وزارة الداخلية، وكأن شأن العمل أمني مع أن وزارة العمل معنية بتوفير فرص العمل، ومنشغلة بعلاقات العمل، ووزارة الداخلية مشغولة بالإدارة المحلية والأمن، فكيف تدمجان في إدارة واحدة! ثم ما الرابط العضوي بين وزارة الأشغال والإسكان والنقل لدمجهما في وزارة واحدة؟ لقد ابتلعت وزارة الأشغال مؤسسة الإسكان بعدما ضُمت إليها فتوقف الإسكان واقتصر عمله على تحصيل أقساط المساكن التي بنتها المؤسسة عندما كانت مستقلة. فهل سيغير الاسم الجديد للوزارة كوزارة للبنية التحتية من النتيجة؟ وهل سنشهد حلاً جذرياً ناجحاً لمشكلات النقل؟ إنني أشك في ذلك لأن البنية التحتية القائمة للنقل مشوهة بنيوياً وستظل قائمة، وأمورها عائمة على الرغم من كل شيء. وتتحدث اللجنة الكريمة عن دمج صندوق التنمية والتشغيل مع وزارة الصناعة والتجارة على الرغم من اختلاف وظيفة كل منهما. كان من المتوقع أو المطلوب تحديث إدارات البلديات لأن وظيفة كل منها واضحة ومحددة، ولكن (عضو) الإدارة في كل منها لا يقوم بوظيفته بكفاءة لأنه شبه معطل أو مترهل بالعشائرية والواسطة والمحسوبية واستنزاف الرواتب لدخلها. أما إنشاء وزارة للتواصل مع الحكومة وبقية الوزارات فشيء جميل في ظاهره ولكنه يعني قطع صلة المواطنين المباشرة بوزاراتهم فلن يقبلوه وإلا فهل سيضمن هذا الترتيب منعهم من ذلك؟ هل يستطيع الصمود في وجه العشائرية والجهوية اللتين لم تأتِ اللجنة الكريمة على ذكرهما في هذا التحديث. إنهما قوة ضاربة لكل من يقف في طريقهما. إن آلاف المراجعين سيحشدون كل يوم في وزارة التواصل الحكومي لمراجعة جميع الوزارات، فهل يستطيع الوسطاء أو ممثلو الوزارات فيها القيام بخدمتهم في اليوم نفسه وبالسرعة والدقة؟ أم انه سيطلب منهم العودة غداً أو بعد العطلة او العيد؟ سيؤدي هذا التحديث إلى تقليص عدد الوزارات وسيصعّب المحاصصة وتشكيل الحكومات وقصة الرئيس الذي نسي تمثيل إحدى المحافظات في حكومته معروفة فقد قامت القيامة عليه إلى أن استجاب، فهل أقنعتم المجتمع أو بررتم له هذا الفك والدمج واللصق؟ وبصراحة نقول هل اقنعت اللجنة العشائرية والمحافظات بانتهاء عصر المحاصصة وبداية عصر الكفاءة المجردة منهما؟ وإذا قالوا إن عدد الوزارات في الأردن أكبر من عددهم في أميركا نرد عليهم إن في أميركا خمسين دولة وخمسين وزارة وآلاف الوزراء، فلا مجال للمقارنة أو للتقليد الأعمى ، إلا إذا أقمنا حكومات محلية شبه مستقلة في المحافظات وحكومة مركزية في العاصمة. لا يقتصر التحديث الإداري – أي تحديث إداري- على الشكل كعمودي أو أفقي.. أو على الفك والدمج واللصق. يجب أن يعتمد الإدارة الوظيفية والعضو لينتج، وعلى فلسفة الخدمة المدنية عند العاملين فيها، فهل يدرك العاملون فيها – مثلاً- أن كلاً منهم خادم لسيده المواطن؟ كما تعتمد على المدخل الرئيس فيها وهو القائد أو المدير (وهما ليسا شيئاً واحداً) الذي يجعل جميع الخيول تسير في اتجاه واحد وبأقل تكلفة وأقصى سرعة وأكبر عائد. لعل تجربة دائرة الأحوال المدنية والجوازات أكبر دليل عليه، فعندما عُيّن المرحوم نصوح محي الدين قائداً/ مديراً لهذه الدائرة فقد نفضها، وجعلها تنجز جواز السفر في نصف ساعة، وها هي تستمر في ذلك إلى اليوم. وكذلك فعل الاستاذ محمود العبابنة عندما كان قائداً / مديراً لمراقبة الشركات، حيث جعلها تنهي تسجيل الشركة الجديدة في نصف ساعة، وإلا فلتراجع المدير. كما تقوم إدارة ترخيص السيارات في الأمن العام بإنجاز ترخيص السيارة السنوي في دقائق. إذا فالمبدأ الأول للتحديث الإداري يجب ان يكون توثيق العلاقة بين العضو والوظيفة. أما الثاني فهو الفكر الإداري أو الفلسفة الإدارية. وأما الثالث فهو القائد الإداري، ولكن لجان المقابلة والتعيين تختار الموصى عليه من فوق. وختاماً، أشكر الحكومة على مشروع قانون الطفل ونرجو مروره محسناً في البرلمان. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان