دموع في عيون خائفة! (2)

من أكثر العبارات ترديدا وإيلاما بل وتنمرا، برأيي، والتي يحافظ الرجال على تكرارها بمناسبة وغير مناسبة، هي أن المرأة عدو المرأة! يستند المرددون لهذه العبارة الصماء الجوفاء، إلى مواقف وآراء تظهر على السطح، حين تسيطر قضية إنسانية أو حقوقية بطلتها امرأة على المشهدين الإعلامي والاجتماعي. وهذا الأمر يحدث دائما من الأشخاص ذاتهم، الذين يحملون معتقدات خاصة بهم، ولعلهم لا يحملونها صراحة، ولكنها وللأسف تحيد عدسة الاهتمام عن القضية الأساسية، لتثبت عليهم وتضيع الموضوع من أساسه. هذا الدور المنوط ببعض السيدات الممثلات لقطاعات مختلفة وشرائح متنوعة في مجتمعنا، إلى جانب أنهن يمثلن أنفسهن في البداية، أصبح مكشوفا ومملا وسخيفا. لا يعدو عن كونه حالة من الغيرة التي تنتابهن حين يجدن بأن اصفافا طوليا وعرضيا من قبل النساء تحديدا، يقف إلى جانب المظلومات على هذه الأرض، ويستعد للذود عنهن وعن حقهن في حياة سليمة خالية من العنف الجسدي واللفظي بأي ثمن. وعلى فكرة، هذا الالتفاف الاجتماعي والإنساني من قبل النساء بعضهن مع بعض، هو رد فعل حقيقي جدا وواقعي وعاطفي إلى أبعد ما يكون! فالمرأة من حيث المبدأ تصدق المظلومين وتتعاطف معهم بطبيعتها الحساسة المرهفة. فماذا لو كان المظلوم المضطهد التعيس امرأة مثلها؟ صدقوني لو تسمعون آهات النساء وترون دموعهن المسكوبة على خدودهن، بمجرد سماع قصة حزينة بطلتها امرأة مثلها، تعتقد بأنها تستطيع أن تتماهى مع قصتها لدرجة أن تصبح تلك هي، لتشعرون بالعجب! يحدث هذا في مجتعاتنا البسيطة والمعقدة سيان. وكثيرة هي القضايا والحالات الإنسانية والحقوقية والاجتماعية والاقتصادية، حلت بيد نساء بطلات في قطاعات القانون والإعلام والسياسة ناهيكم عن الناشطات الجميلات في كل مكان. لذلك فليس من المقبول ومن أجل حفنة سيدات، يمتلكن أسبابهن الداخلية النفسية والاجتماعية، أن نحكم على النساء كافة بأنهن يقفن ضد المرأة. لأن الحقيقة الثابتة الصائبة تؤكد بما لا يدع مجالا للشك بأن عدو المرأة في البداية وفي النهاية هو ذكر. وإن كان من أساليب إضاعة بوصلة الاتهام هو توجيهها إلى المرأة التي تحمل النساء أسباب كوارث البحر واليابسة، وما وصلت إليه من ضعف وقلة حيلة، تستحق عليها القتل والضرب واقتلاع العينين أيضا، فهذه السياسة العتيقة في تفرقة الصفوف علينا أن نكتشفها بالحدس، ونكشفها للجميع. ربما يخون البعض من النساء التعبير عن مواقفهن وآرائهن ومبادئهن، في ظل سوق الفرجة المتحفز لأي غلطة تخرج من هنا أو هناك. ولكن ذلك لا يمنع أن تستمر مسيرتهن للخروج من أعناق الزجاجات المحكمات المسدودات بكل ما يمنع الهواء القابل للتنفس من الدخول. لعل المجتمعات تتقدم وتتطور إلى الأمام بشكل كبير ومتسارع. إنما علينا أن نعترف بأن قضية المرأة وحقوقها واحتياجاتها وموقفها من الحياة بالعموم، تنشد عكسيا بفضل قوى التخلف والخوف والارتباك. ولعل اتساع الرؤية التي سببها الانفتاح على العوالم الأخرى، ضيق هو الآخر كما قال "النفري" من العبارة، بحيث أصبحت المطالبة بحقوق "جديدة" مضافة وكأنها حراكات هجينة لا تناسب مع واقعنا الاجتماعي ولا الديني. رغم أن حق المرأة في حياة كريمة مساوية لكرامة الرجل هو ذاته منذ آلاف السنين، وإن تعدلت اللغات والمفردات. الخلاصة، لا تسمحوا أو تسمحن لـ"المندسين" أن يخلطوا الأوراق. فالمرأة تاريخيا هي نصيرة المرأة الأولى عاطفيا ومسلكيا وعمليا. ولن يعكر صفو هذه العلاقات الطيبة ثلة من الباحثات عن الاختلاف، ولو على حساب عيون خائفة تملأ مآقيها الدموع!اضافة اعلان