دوامة التهميش والإقصاء!

منذ فترة ليست بالبعيدة كنت حاضرا في منتدى "مسك" الإعلامي في العاصمة السعودية الرياض، وهو منتدى احتضن فعاليات عديدة ومثمرة تفوق الوقت المحدد له وهو يوم واحد. كان منتدى مميزا بكل المقاييس، ليس فقط لجودة فعالياته وندواته وطرحه المتعلق بالإعلام الحديث وكيفية ترويض مواقع التواصل الاجتماعي وتحويل خطابها تجاه الصالح العام للدولة، وإنما لأن من نفذه وأدار محتواه بالكامل كان من فئة الشباب المتطوعين.اضافة اعلان
منح هؤلاء الشباب مساحة واسعة للتعبير عن تجاربهم الخاصة، وأغلبها كانت تجارب ناجحة أثرت بالحضور بشكل لافت، وعكست صورة حقيقية لكيفية الاستثمار بهذا الجيل وتأهيله، وتهيئته واحتوائه ليكون شريكا في صناعة مستقبل وطن بدلا من ترك أفكاره حبيسة عقول أبنائه من دون الاستفادة منها وتطويرها.
قبل نحو 15 عاما كنت هناك في السعودية، وقد عملت فيها مدة 3 سنوات، وكان وضع الشباب مختلفا كليا. ما الذي تغير إذا؟
لست أعمد في هذا المقام إلى الحديث عن التجربة السعودية، والحكم عليها، بقدر الإشارة إلى أنه مهما حاولت الدول تجاهل فئة الشباب وتأطيرها وتركها فوق رفوف الزمن، لا بد وأن يأتي يوم وأن تلجأ إليهم باعتبارهم طوق النجاة وعجلة الإنتاج في هذا العالم المتسارع، والتأخير في الاعتماد عليهم ستكون له نتائج سيئة على أي بلد.
عشرات الندوات، والمؤتمرات يتم عقدها شهريا في الأردن وفي جميع المجالات، وجميعها تفتقد لعنصر الشباب سواء كمنظمين أو متحدثين أو حضور، ورغم القدرات السياسية والعلمية والاقتصادية التي يمتلكها هذا الجيل، إلا أننا ما نزال نفتقد تفاعلهم القيادي في الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، والنقابات المهنية، وغيرها.
قبل أيام التقى الملك بمجموعة من الشباب والشابات، حيث أكد جلالته على ضرورة تبني أفكار هؤلاء وتحفيز مشاركتهم في الحياة السياسية، وأن يدركوا أن صوتهم مسموع وله تأثيره، وأنهم يمثلون الأمل في تطوير الأردن، والمضي قدما في مسيرة الإصلاحات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. ليسارع بعدها رئيس الوزراء إلى لقاء مجموعة أخرى انطلاقا من مبدأ أهمية تعزيز قنوات التواصل والحوار بين الحكومة والشباب لإيجاد حلول للتحديات التي تواجه هذه الفئة الأساسية من المجتمع وتفعيل دورها في مناحي الحياة كافة.
جدد الملك التأكيد على ضرورة الالتفات لهذه الفئة بعد أن عمد إلى تحفيزها، لكن التنفيذ مسؤولية الحكومة التي يجب أن تخرج من عباءة الشعارات والدعوات والأمنيات، لا أن تبقى في دائرة القول ثم تدفن رأسها بالرمال، إذ إن عليها ترك مساحة واسعة لمثل هؤلاء لأن يمارسوا أدوارهم الحقيقية في بناء الوطن، وفي عملية الإصلاح السياسي والاقتصادي.
طال الحديث عن ضرورة الاستثمار بهذا الجيل، ومنذ سنوات كتبت مئات المقالات بهذا الاتجاه، وأعدت عشرات الدراسات، والجميع كانوا وما يزالون يصرخون محذرين من خطورة أن يمضي الوقت دون التفاتة جادة لهذه الفئة.
كل الدول التي يعمل بها أردنيون يلمسون طاقة شبابنا وجديتهم وحرفيتهم ويغبطون المملكة عليهم، وهم شباب صنعوا أنفسهم بأنفسهم، لكن في الوقت الذي تتبنى تلك الدول أبناءها وتعمد إلى تطوير قدراتهم تأهبا لمستقبل ملامحه تتغير يوما بعد يوم، نقف نحن مكتوفي الأيدي أمام الأولوية الحقيقية لنهضة أي وطن.
مواصلة تهميش هذه الفئة جريمة وخيانة بحق البلد. بينما نحن نمتلك فرصة اليوم ونحن نحتفل بذكرى الاستقلال، بأن تكون هديتنا للشباب وضع استراتيجية حقيقية لإشراكهم في الحياة العامة؛ السياسية والاقتصادية، من أجل أن نجني ثمار حماستهم، ونعدهم لأن يكونوا لبنة في بناء مؤسسات الوطن.