دورة الكنيست والحرب على غزة

يفتتح البرلمان الإسرائيلي (الكنيست) اليوم الإثنين، دورته الشتوية، التي من المفترض أن تستمر ستة أشهر، وعادة ما تكون عاصفة، لما تحمله من ملفات ساخنة، خاصة عملية إقرار ميزانية الدولة للعام القادم، ومسألة ثبات الائتلاف الحكومي.

اضافة اعلان

ففي مسألة الثبات الحكومي، فإن الملف الوحيد، حتى الآن، الذي يشكل تهديدا لاستمرار الحكومة الحالية، أو على الأقل بقاء رئيس الحكومة، إيهود أولمرت، في منصبه، هو صدور التقرير النهائي للجنة فينوغراد، المكلفة بفحص مجريات الحرب على لبنان.

ولكن اعتمادا على توقعات محللين سياسيين وعسكريين في إسرائيل، فإن صدور هذا التقرير الذي كان من المفترض أن يكون في شهر تموز (يوليو) الماضي، ثم في الشهر الحالي، قد يتأجل إلى منتصف العام القادم 2008، وحتى أبعد من ذلك، وهذا بعد أن وافقت اللجنة على إصدار رسائل تحذير لكل شخصية سياسية أو عسكرية قد تتضرر من استنتاجات هذا التقرير وتوصياته.

ويفسح هذا الإجراء المجال أمام تلك الشخصيات بالدفاع عن نفسها أمام اللجنة في محاولة لتغيير توصياتها، وهي عملية قد تستغرق عدة أشهر، خاصة إذا كانت إحدى تلك الشخصيات أولمرت نفسه، كذلك فإن المحللين يتوقعون تلاشي وزن وقيمة هذا التقرير كلما ابتعدت الفترة الزمنية بين صدوره وبين انتهاء الحرب في صيف العام الماضي 2006.

إلا أن هذا التقرير المتوقع سيلقي بظلاله، حتى قبل صدوره، على الكثير من التحركات السياسية والعسكرية للحكومة الحالية، وخاصة رئيسها أولمرت، الذي يعمل لهذا التقرير ألف حساب، لأنه سيحسم مصيره ومستقبله السياسي.

وكان من المفترض أن يشكل "اللقاء الدولي" للسلام، المفترض عقده في الشهر القادم، تشرين الثاني (نوفمبر)، عنوانا مهما لعمل الكنيست في دورته الشتوية، إلا أن ما أفقد الوزن السياسي "للقاء" واحتمال تأثيره على ثبات الحكومة، هو كثرة التصريحات الإسرائيلية الرسمية، التي تؤكد أن المؤتمر لن يكون "خطوة درامية" في المفاوضات مع الفلسطينيين، وأن "الوثيقة المشتركة" في حال بلورتها، لن تمس بالقضايا الحساسة من وجهة نظر إسرائيل، بل قد تتعرض لها كعناوين ضبابية، دون أية تفاصيل.

ولكن من وراء كل هذا هناك قضية ثالثة قد تخيم على عمل الدورة الشتوية للكنيست، وهي قضية لم يتم حسمها حتى الآن، على الأقل رسميا، أو أن حسما كهذا لم يُنشر عنه في وسائل الإعلام، وهو الاحتمال الكبير بأن تشن إسرائيل اجتياحا واسع النطاق في قطاع غزة، بحجة استمرار إطلاق القذائف الفلسطينية باتجاه مواقع إسرائيلية.

فقد قال وزير الحرب إيهود باراك، ونائبه، متان فلنائي، وضباط كبار في جيش الاحتلال الإسرائيلي إن اجتياحا كهذا لن يتم قبل انعقاد اللقاء الدولي السابق ذكره، إلا أن هذا لا يعني أن إسرائيل لا تستعد لعدوان كهذا، فما يُفهم من بين سطور تصريحات باراك وفلنائي وغيرهما من جنرالات الحرب، أن إسرائيل تجري استعدادات مكثفة لهذا العدوان المتوقع، "مستفيدة من أخطاء الماضي"، في إشارة إلى الحرب الأخيرة على لبنان.

من الصعب في هذه المرحلة معرفة خفايا القرار الإسرائيلي المستقبلي، ولكن بالإمكان الحصول على الإجابة من خلال استعراض المصلحة الإسرائيلية والشخصية لقادة الحكم في إسرائيل في مثل هذا العدوان.

ستظهر إسرائيل على الساحة الدولية محاولة تبرير اجتياحها العدواني لقطاع غزة بأنها "ترد" على استمرار إطلاق القذائف الفلسطينية باتجاه مواقع إسرائيلية، وهي مطمئنة إلى أن دول القرار في الساحة الدولية ستقبل "تبريراتها"، بحجب النظر عن العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، بتحويله إلى سجن كبير تتحكم بكل معابره، والقصف الجوي الذي لا ينتهي وعمليات الاغتيال الإرهابية والقائمة هنا تطول.

كذلك فإن إسرائيل ستستغل الموقف الناشئ على الساحة الدولية من حركة حماس وانقلابها في قطاع غزة، ولكن كل هذه "تبريرات" تنجح فقط بسبب اختلال الموازين في الساحة الدولية.

إن هدف عدوان واسع النطاق كهذا لن يكون وقف إطلاق القذائف الفلسطينية، فهذه العمليات لم تتوقف حتى عندما كان جيش الاحتلال متواجدا في قطاع غزة قبل أكثر من عام، كذلك فإن عددا من المسؤولين الإسرائيليين، ومن بينهم وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، اعترفوا بأنه لن يكون بإمكان إسرائيل أن توقف كليا لعمليات إطلاق القذائف، ولكن ليفني تهربت من الشطر الآخر لهذا الاستنتاج، وهو أن هذه قضية حلها سياسي وليس عسكريا.

ولهذا فإن أهداف إسرائيل من عدوان كهذا هي في الاتجاه المعاكس، فالحكومة الإسرائيلية تعود اليوم إلى طاولة المفاوضات، وقد اقتربت من درجة أن الأسرة الدولية تطالبها بإجابات واضحة على القضايا الأساسية في الحل الدائم، خاصة وأنها تفاوض قيادة فلسطينية "مقبولة" في الساحة الدولية.

والحكومة الإسرائيلية تعلم ان اجتياحا كهذا سيوقف كل المباحثات والمفاوضات، لأن الرد الطبيعي للقيادة الفلسطينية على عدوان كهذا هو وقف كل الاتصالات والمفاوضات، وغير ذلك سيكون كارثة على الشعب الفلسطيني، حين تكون المجزرة مستمرة في قطاع غزة، بينما في ساحات أخرى تستمر المفاوضات.

ولهذا فإن تجميدا متوقعا للمفاوضات، من وجهة نظر إسرائيلية، سيعيد كل الاتصالات إلى نقطة البداية حين يتم استئنافها، وفي هذا ربح جديد للوقت لصالح إسرائيل.

أما على المستوى الشخصي في الحكومة الإسرائيلية فإننا أمام قيادة عسكرية وسياسية تسعى إلى كسب أوراق عسكرية رابحة أمام الرأي العام الإسرائيلي ولكل أسبابه الخاصة به.

فرئيس الحكومة أولمرت سيعتبر أن أي "إنجاز عسكري" في قطاع غزة سيساعده في مواجهة استنتاجات تقرير لجنة فينوغراد، السابق ذكره، وسيضاف إلى "إنجازه" المتمثل بالغارة الليلية على سورية، قبل شهر، التي ما تزال إسرائيل تتستر على خفاياها، ولكنها تعترف بها على مراحل، على طريقة تقطيع إصبع النقانق.

كذلك فمن وجهة نظر أولمرت فإن حربا دموية في قطاع غزة، تحصد أرواح فلسطينيين، وخاصة قيادات ستعزز ائتلافه الحكومي، بإسقاط أي تهديد لحزبي اليمين بمغادرة الحكومة، بينما حزب "العمل" لا يستطيع الحراك لأن زعيمه هو وزير الحرب، إيهود باراك، قائد الحملة الجديدة، وفوق كل هذا، فإن الحلبة السياسية برمتها، بمعنى المعارضة اليمينية، ستسكت عن مهاجمة الحكومة، لأن الجميع سيتوحد حول نار الحرب.

أما بالنسبة لإيهود باراك، فهو أيضا يسعى لتحقيق إنجازات عسكرية كوزير حرب جديد، لإثبات توقعات الشارع الإسرائيلي منه، بأنه قادر على تحقيق "الأمن" لإسرائيل، وأوراق دموية كهذه يسعى باراك إلى عرضها في أي انتخابات برلمانية قادمة.

وهناك أيضا قيادة جيش الاحتلال، ورئيس الأركان أشكنازي، الذي يسعى هو أيضا لإثبات نفسه كجنرال حرب، قادر على استعادة "هيبة" جيشه أمام الشارع الإسرائيلي بعد الحرب على لبنان.

وكل هذه الحسابات تعتمد على فرضية أن إسرائيل "ستنتصر" في حربها على قطاع غزة، وهذه الفرضية تجعل الجهازين السياسي والعسكري يعدان العدة "بشكل جيد"، قبل شن عدوان كهذا على قطاع غزة، في مسعى لتحقيق إنجازات على حساب الدماء الفلسطينية.

صحافي وكاتب سياسي- الناصرة

[email protected]