دور آخر للمال السياسي

بدأ الماراثون الانتخابي بتحديد موعد الانتخابات. وكلما تأكّد أن الانتخابات ستجرى على أسس من الاستقامة والنزاهة والشفافية، كان الهدر والإنفاق أقلّ. طبعا القضية لا تخصّ الدولة فقط، بل القيم العامّة للمجتمع حيث يسود في هذه المناسبة مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.

هناك تشديد وتغليظ للعقوبات في القانون الجديد، يمكن أن يؤدّيا مع التعليمات التفصيلية والرقابية الجادّة إلى انحسار كبير لأشكال التجاوز، وخصوصا شراء الأصوات.

لكن النظام الانتخابي الجديد قد يخلق بابا جديدا لاستخدام "المال السياسي" غير شراء الأصوات، وهو دفع "الخلوات"، نقصد أن يدفع المرشح الثري جدا لمنافس محتمل من أجل إخلاء الدائرة الفرعية إلى دائرة أخرى. ففي النظام الجديد هناك فرصة لواحد فقط في الدائرة الفرعية، وإذا كان المنافس مصرّا على النزول فعلى الأقلّ يمكن إبعاده إلى دائرة أخرى.

والحالة المحتملة، هنا، أن مرشحا ثريا من دون منافسين خطرين في دائرته سيكون مستعدا للدفع من أجل أن يبتعد آخرون خطرون عن الدائرة نفسها ويذهبوا إلى دوائر أخرى. وقد لا يقل ثمن الخلو عن 50 الف دينار، وقد يصل إلى أضعاف ذلك.

الصيغة الجديدة للانتخابات، حيث المنافسة في كل دائرة فرعية على مقعد واحد، ستخلق تكتيكاتها، وهذا على الأقلّ سيبرز في الدوائر الكبيرة، التي كان لها أكثر من مقعد، وقسمت إلى دوائر فرعية.

وسيظهر مفهوم إساءة الاختيار، أي التسجيل في دائرة يتضح فيما بعد أن واحدا أو اكثر من المنافسين فيها أقوى كثيرا مما اعتقد المرشح. ومبدئيا فإن أقوى المرشحين سيتفاهمون قبل فترة كافية من بدء التسجيل على عدم النزول في الدائرة نفسها، لذلك سيكونون أبكر من يسجّل، بينما المرشحون من الوزن المتوسط والخفيف سينتظرون حتى آخر ثانية لحسم أمرهم، وسيجدون أنفسهم في حيرة شديدة حين لا يكون تقييم الآخرين محسوما، وستعقد جلسات تقييم مع الأنصار، يعلو فيها الصراخ، كل واحد ينصح بالذهاب إلى هذه الدائرة أو تلك.

الأقوياء جدا، ماليا، سيكرمون على أصدقائهم الأقوياء انتخابيا مقابل التفاهم على عدم النزول في الدائرة نفسها، ولكنهم سيخضعون لابتزاز آخرين اذا كانوا يشكلون تهديدا معقولا. أمّا الذين سيبادرون إلى حجز مقعد سلفا خصوصا في دوائر بمدن كبيرة، مثل عمّان والزرقاء، فهم مرشحو جماعة الاخوان.

ومن المرجح أن يلجأ "الاخوان" إلى تسجيل مرشح أول في إحدى الدوائر الفرعية، وسيبتعد عن هذه الدائرة كل مرشح جدّي آخر، وفي الدقيقة الأخير إذا لم يسجّل في هذه الدائرة الفرعية أي منافس جدّي آخر فلدى الأخوان فرصة لتنزيل مرشح في دائرة فرعية مجاورة أو اثنتين تحول لهما معظم الأصوات.

اضافة اعلان

ويتفق كثيرون على أن نظام الدوائر الفرعية الفردية يتيح لـ"الإخوان" إدارة تكتيك دقيق وناجح. لكن المشهد سيكون مربكا للغاية إذا تأخر الإخوان في اختيار الدائرة، فحتى الأقوياء الآخرون سيترددون في المبادرة إلى التسجيل، ولن يستطيعوا التفاهم سلفا فيما بينهم.

[email protected]