دور الأردن في سورية

إذا كان البعض حبس أنفاسه بانتظار مفاجأة في خطاب الملك، فقد خاب ظنه. وكانت سرت إشاعة قوية عن خطاب يوجهه الملك للأمة، يحتوي على مفاجأة مهمة؛ ثم اتضح أن الخطاب هو بمناسبة تخريج طلبة جامعة "مؤتة". وقد كان خطابا مهما وشاملا لمختلف المحاور والملفات الساخنة، لكن بدون أي مفاجآت؛ لا في الشأن الداخلي ولا في الشأن الخارجي، بما في ذلك الموقف من الشأن السوري.اضافة اعلان
هل نصدق أنه لا تغيير على الموقف في الشأن السوري؟ نعم، أنا أصدق؛ حتى مع إبقاء صواريخ "باتريوت" في الأردن. ولا أعتقد أن هناك مشروعا لتدخل عسكري في سورية، فضلا عن أنه لا يوجد مشروع دولي بهذا الخصوص يتجاوز المعلن بإنهاء "الفيتو" على تسليح المعارضة، لتمكينها من وقف التغير المتسارع في ميزان القوى لصالح النظام على أبواب "جنيف2"، حيث يفترض أن يتم طبخ التسوية السياسية.
في هذا السياق، أعاد الملك بوضوح تأكيد دعم الأردن لتسوية سياسية بالتنسيق مع الدول العربية والمجتمع الدولي، بما يحفظ وحدة سورية واستقرارها، واستمرارية مؤسسات الدولة في خدمة جميع المواطنين. ومثل هذا الموقف لا يبطن أي توجه عسكري لدعم الإطاحة بالنظام، بل على العكس؛ يمكن أن نستقرئ حرصا على توازن يحفظ الدولة، بانتظار حل سياسي تشارك فيه المعارضة والنظام. وبالتحليل، يمكن تقدير أن الأردن لا يرى أن انهيار النظام القائم الآن يفتح على بديل ديمقراطي وآمن، بل المنظور المحتمل هو فقط انهيار شامل لمؤسسات الدولة، وتفتيت الكيان السوري، وحروب فئوية طاحنة تفتح باب جهنم والتطرف الأصولي على الأردن. وهذه هي القضية المركزية التي يتحسب لها الأردن، وهي ما أشار إليه الملك في الفقرة الثالثة من الجزء الخاص بسورية في الخطاب، عندما قال: "في كل تعاملنا مع الأزمة السورية، كانت حماية مصالح الأردن وشعبنا العزيز هي هدفنا الأول والأخير. وإذا لم يتحرك العالم ويساعدنا في هذا الموضوع كما يجب، فنحن قادرون على اتخاذ الإجراءات التي تحمي بلدنا ومصالح شعبنا". والخطر الماثل على الأردن ليس سوى التنظيمات المتطرفة، من "القاعدة" وأخواتها، التي اجتاحت الساحة السورية. وإذا انهارت الدولة هناك، فهذه الفصائل العسكرية لن تستسلم بالطبع لنظام بديل ديمقراطي معتدل، بل هي تريد انهيار الدولة وبناء سلطتها الحربية على كل بقعة تسيطر عليها، ومد الحريق إلى المحيط الإقليمي، والأردن سيكون أول المستهدفين. وهو ما يعني إلى جانب الخطر الأمني المباشر علينا، مد أزمة اللاجئين وتوسيعها، وتحولها من أزمة إنسانية معيشية، إلى أزمة ديمغرافية سياسية وأمنية كبرى لا يمكن التنبؤ بتداعياتها.
يبدو والحال هذه، أن السيناريوهات التي يبشر بها البعض عن المؤامرة والتورط الأردني في مشاريع عسكرية ضد سورية، بلا معنى. وكل الترتيبات المحتملة من الجانب الأردني ستكون ذات طابع دفاعي وتحوطي من تطورات نحو الأسوأ. وكنت قد اقترحت سابقا أن يطلب الأردن من الأمم المتحدة إقامة مخيمات اللاجئين على الجانب السوري من الحدود، مع أخذ موافقة أطراف الصراع؛ باعتبارها مناطق آمنة محايدة برعاية دولية، لأننا لا نستطيع تحمل المزيد من تدفق اللاجئين، وقد نضطر في وقت لاحق إلى إغلاق تام للحدود في وجههم.   إن الدولة ستكون مقصرة بصورة غير مقبولة إذا لم تتحضر وتضع الخطط للاحتمالات المقبلة، من حيث فشل الحل السياسي والسلمي، والذي للأردن مصلحة مباشرة وقوية فيه؛ ففشل الحل يفتح على توسع الصراع الدموي، وشبه حرب إقليمية طائفية، وليس للأردن في هذا السياق إلا مصلحة دفاعية صرفة عن أمنه وشعبه. وفي هذا السياق نفهم  طلب الأردن إبقاء صواريخ "باتريوت" ووحدات فنية عسكرية تتحمل المسؤولية إزاء أي تطورات مقبلة.

[email protected]