دور الأساتذة التربوي والأخلاقي في الجامعات

تعددت وتنوعت الآراء والتحليلات الخاصة بظاهرة العنف الطلابي في الجامعات الحكومية بالذات. وقد استمرت الظاهرة بالوقوع والتفاقم، ولم تنفع الآراء والتحليلات والعلاجات في شيء، وكأن طالبا في جامعة لم يقتنع بها أو يأخذ بها، أو أنها لم تعمل عندما أخذ بها أو بأحدها. اضافة اعلان
لعلّ أحد أهم عوامل هذه الظاهرة المشينة والمقلقة؛ جامعياً ومحلياً ووطنياً وعربياً (يوجد آلاف الطلبة العرب الذين يدرسون في الجامعات الأردنية)، هو العامل الذي لم يتطرق أحد إليه، أو لم يشدد أحد عليه، وهو غياب الأساتذة، أو مسؤولية الأساتذة والإدارة في كل جامعة (أعني جميع أعضاء هيئة التدريس) عمّا يجري ويقع فيها. وبعبارة أخرى: إن مسؤولية الأساتذة ليست تعليمية فقط، بل تربوية وأخلاقية أيضاً، ولا يمكن تفويض هذه المسؤولية لغيرهم. فالمسؤولية كالقدوة لا تفوض، ويجب أن لا يكون الأستاذ سلبياً أو متفرجاً على ما يحدث أمام عينيه، بل مسؤولاً ونشطاً وفاعلاً.
وفي كيفية ذلك يقال: يجب أن لا يقصر الأساتذة دورهم الجامعي على تعليم تخصصاتهم في غرفة أو قاعة أو مختبر أو مشغل.. يجب أن يمتد ويتسع هذا الدور ليربي. ويكون ذلك بالتواصل مع طلبتهم خارج الغرفة أو القاعة.. أو التخصص. يجب عليهم تثقيف طلبتهم ومحاورتهم ومناقشتهم في مختلف الموضوعات والمشكلات والقضايا في الجامعة والمجتمع، وبحيث يدركون أسبابها وعواملها وأبعادها، ويسهمون في متطلبات علاجها. وكذلك تعليمهم عن شرور التعصب الأعمى؛ العشائري والجهوي والطائفي، وعواقب تصرفاتهم السلبية، وأثر ذلك عليهم وعلى جامعتهم ومجتمعاتهم المحلية، وعلى المجتمع ككل.
يجب مناقشتهم ومحاورتهم في ندوات خاصة في القيم المشتركة أو الجامع المشترك الأعظم منها، مثل الحرية والمسؤولية والعدالة والاحترام والسماحة والأكثرية والأقلية والتعددية، والكرامة، والصدق، وحقوق الإنسان الأساسية. ويجب أن يشتد النقاش والحوار وأن يحتدا حتى تبلغ القلوب الحناجر، ويخرج ما في العقل الباطن أو الصندوق الأسود! كما يجب أن يكتسب كل منهم خبرات عبر أنشطة نوعية تولد اتجاهات ومواقف يمتلك الطلبة خلالها المهارات، ويلتزمون القيم العليا طيلة الحياة؛ فالخبرات أعظم أثراً وتأثيراً وأبقى من المحاضرات؛ إن الخبرة هي الرسالة. ويجب أن يوجد الأساتذة في ممرات الجامعة ومطاعهما وملاعبها وأنشطتها كافة من آن إلى آخر، وبحيث لا يغيبون عن النظر.
ولكن ذلك غير ممكن إذا كانت الجامعة أو جهة ما خارجية بوليساً على الفكر، والأساتذة أنفسهم غير معافين من  الأمراض والأعراض نفسها في علاقتهم مع إدارة الجامعة ومع زملائهم ومع الطلبة، ومع شرائح المجتمع.
يجب أن يكون الأساتذة قدوة ونوراً لطلبتهم، وأن لا يتفرجوا على الحرم الجامعي والعنف دائر عن بعد أو من النوافذ، فالخطر كبير والتحدي عظيم. ويجب أن لا يترك العنف للأمن الجامعي فقط. ويجب أن لا نسهّل الطريق للأساتذة فنخلي سبيلهم من المسؤولية بهذا الأمن أو بتشديد العقوبات أو بانتظار تدخل الوجهاء (مع احترامي لهم) من خارج الجامعة، فذلك يقلل من شأن الأساتذة تربوياً وأخلاقياً.
يظهر أو يعمل الأمن الجامعي -الذي يجب أن لا يكون موجوداً أصلا في جامعة- عندما يقع العنف، لكنه لا يمنع وقوعه. ثم ما فائدة منعه أو قمعه إذا بقيت عوامله كامنة في النفوس؟ هنا تكمن مسؤولية الأساتذة وإدارة الجامعة.
وختاماً نقول: إذا كانت الأسرة خط الدفاع الأول عن المجتمع وفشلت، فإن المدرسة هي خط الدفاع الثاني عنه. وإذا فشلت (وهذا ما هو حاصل)، فإن الجامعة هي خط الدفاع الثالث. لكن لا يبدو أنها كذلك، بدليل أنها لا تغير أفكارهم أو ردود فعلهم العنيفة تجاه صغائر الأمور... إنها لا تصقلهم؛ بدليل سرعة غضبهم الشديد على سيدة في محاضرة دعت فيها إلى المساواة بين النساء والرجال. 
لقد بيّنت دراسة بحثية لنيل درجة الدكتوراة في موضوع التعصب الطلابي في الجامعات الأردنية، أنه يزداد فيها سنة بعد أخرى. وتلك -لعمري- كارثة توجب إغلاقها إن لم تقم بوظيفتها السامية.