دور البلديات الإنقاذي

قبل ما يقرب على عقد من الزمن، مرت البلديات بتحديات جسام قلل من دورها الخدمي والتنموي والسياسي. في أحيان، كان لفصل ودمج البلديات أثر كارثي تعدى حدود تراجع الخدمات المقدمة منها ليمس هيبة الدولة، وأصبح الأردنيون يتندرون إبان فوضى فصل البلديات على نكتة "احرق عشر عجال واقطع الطريق واحصل على بلدية". ترهلت الخدمات لحد كبير ووصل الامر إلى أن يشار لتراجع النظافة في البلديات بخطاب للعرش، وأعاد الملك الاشارة للجائزة المخصصة للنظافة في البلديات في حديثه أمام المنتدين في مؤتمر البلديات قبل أيام. تجاوزنا هذه المرحلة بفضل حكمة إدارية تعاملت مع شأن الدمج والفصل بصيغة وسط توافقية أرضت الجميع. لكن القرار المفصلي الحاسم كان في العام 2014 الذي أعاد للبلديات نصيبها من عوائد الضريبة على المحروقات التي كانت تذهب للخزينة وتصرف بحسب أولويات الإنفاق هناك. هذا القرار خفف من مديونية البلديات الكارثية وتبع بنظام يلزم البلديات بألا تزيد نفقاتها الجارية على الرواتب على حدود 40 % من نفقاتها العامة على الخدمات والتطوير والتنمية. بين هذا النظام الضابط والايراد المالي المتحقق من الحصول على عوائد ضريبة المحروقات أعيد الاعتبار للعمل البلدي ونهض بمهامه التي ما تزال بالتأكيد بحاجة لكم كبير من التطوير. اضافة اعلان
للبلديات دور تنموي وخدمي لا تستطيع أي حكومة من عمان القيام به؛ يكفينا أن نعرف أن المدارس وقطاع التعليم كان يدار تاريخيا من قبل البلديات. يمكن بالفعل للبلديات أن تقوم بمهام التنمية المحلية، فالقائمون عليها أعلم باحتياجات مناطقهم، وعوامل القوة الاقتصادية والتنموية لديهم، وما هي القرارات والمشاريع التي ستنهض بالمجتمع وتحقق التنمية والتشغيل، ومن أين تمول. إمكانية نجاح ذلك أكبر بكثير من احتماليات نجاح وزارات في العاصمة من إحقاق التنمية. ناهيك عن ان هذا سيخلق تنافساً إيجابيا بين البلديات على مستوى الوطن، وستعمم قصص النجاح، وتعود الفائدة على الوطن.
للبلديات دور سياسي مهم أيضا لأنها تمثل ثاني أهم انتخابات على مستوى البلد، وهي بذلك ميدان أصيل للمشاركة السياسية من قبل المواطنين، وآلية حقيقية لخلق القيادات المجتمعية والسياسية. تراجع منسوب التناحر العشائري والانتهازية الحزبية التي سيطرت على انتخابات البلديات، وذلك بفضل الوعي المجتمعي ورقابة الناس على أداء المسؤولين واهتمامهم بالنتائج لا التنظير الحزبي او أصول القائمين على العمل البلدي وأسماء عائلاتهم الاخيرة. نظرة سريعة على تاريخ الانتخابات البلدية تظهر ذلك بوضوح. المشاكل والمشادات الانتخابية لم تنتهِ بشكل كامل، لكن بين إشراف هيئة مستقلة على انتخاباتهم، وبين حالة الوعي لضرورات الخدمات والنأي بها عن أي انتهازية حزبية، نجد المشهد الانتخابي البلدي تحسن كثيرا.
ثمة ضرورة وطنية لإسناد العمل البلدي وتمكينه تشريعياً وماليا فذاك سيحلحل كثيراً من مشاكلنا. السياسة بالنهاية توزيع احترافي عادل للمكتسبات العامة وهي بجلها محلية مناطقية ليست حكومية عمّانية سياسية.