دور القطاع غير الرسمي في التنمية الاقتصادية!

سهل العنابي*

في خضم جهود الإصلاح الاقتصادي وإعادة الهيكلة والتطوير وإيجاد فرص العمل وتشجيع واستقطاب الاستثمارات، يغيب عن أذهان متخذي القرار في هذا المجال قطاع مهم له دور كبير في التنمية الاقتصادية وهو القطاع غير الرسمي.اضافة اعلان
والمقصود بهذا القطاع الأعمال والأنشطة التي تقوم بها شركات غير مسجلة وليس لها أنشطة ممنوعة كما يعتقد الكثيرون، بل هي أنشطة لا تدخل في النظام الرسمي من ضرائب وسجلات رسمية وشركات غير مسجلة بالرغم من أن بعض الأنشطة تقوم بها شركات مسجلة ولكن مع طرف غير مسجل.
الدراسات المتعلقة بهذا القطاع، هي دراسات قديمة ولا تعكس الصورة الحالية الحقيقية خاصة بعد موجة اللجوء السوري وغيرها وحجم العمالة غير الرسمي التي جلبتها هذه الهجرات والتي أثرت على حجم هذا القطاع ومساهمته وأثره على الاقتصاد الأردني.
آخر الدراسات بهذا الخصوص في الأردن تزامنت مع بدء اللجوء السوري الى الأردن؛ أي قبل شغل نسبة كبيرة من الوظائف من قبل اللاجئين.
بالإضافة إلى ذلك، تغيب الكثير من المعلومات والبيانات بهذا الخصوص وعدم التطرق لها من قبل التعداد السكاني، مما يجعل الأمر مبهما وغير واضح من ناحية الأرقام وهو ما يعد مشكلة كبيرة وملحة يجب التطرق لها من قبل راسمي السياسات ومتخذي القرار.
وقدر حجم القطاع غير الرسمي في الأردن والمنطقة في العام 2010 بحوالي 25 % من الاقتصاد الكلي، في حين قدر حجم العمالة غير الرسمية في الاقتصاد الأردني في العام نفسه بحوالي 44 % منها 22 % في القطاع الخاص و17 % كأصحاب عمل وغيرها. وتلعب المرأة دورا مهما في القطاع غير الرسمي؛ حيث تتقاسم نسبة العمالة مع الرجال وتسيطر على بعض أنشطة هذا القطاع مثل الأعمال المنزلية (الإنتاج في المنازل) وصاحبات العمل ومهن التنظيف والخدمة والقطاعات الصحية والزراعة والتعليم والتجارة وغيرها.
بالرغم من أن التقديرات تشير الى أن حجم القطاع غير الرسمي في الأردن يمثل 25 % من حجم الاقتصاد، الا أن اللجوء السوري رفع هذه النسبة بشكل كبير؛ حيث تشير التكهنات والإحصاءات الى أن حجم العمالة السورية والوظائف أو الأعمال المشغولة منهم هي حوالي 200 الف وظيفة وبالتالي قد تصل هذه النسبة الى 40 %، وهو رقم كبير ومهم ويستحق الوقوف عنده كثيرا لما يشكله من فرص وتهديد في الوقت نفسه.
وهناك مشاكل وتحديات تواجه القطاع غير الرسمي، وهي الأجور والرواتب المتدنية وعدم وجود حماية تأمينية واجتماعية ومهنية
وعدم وجود حماية قانونية للعقود والمعاملات وارتفاع كلفة العمليات والتسجيل والرسوم ومحدودية الموارد المالية والحصول على التمويل بشروط ميسرة وعدم وجود رعاية ومظلات مهنية.
أما المزايا التي يمكن منحها لاستقطاب هذا القطاع فتتمثل بالحصول على تمويل بشروط مميزة أو الحصول على المنح أو الحصول على المعلومات بسهولة وبدون كلفة والتدريب والدعم الفني وبناء القدرات للأفراد والمؤسسات ودراسات الجدوى وعضوية جمعيات أعمال وهيئات رسمية والاستفادة من المميزات الممنوحة لها مثل الدخول الى أسواق معينة وحماية الموظفين وأصحاب العمل والربط بالأسواق والموردين والإعفاءات الضريبية والرسوم وكلف التسجيل وتخصيص مناطق اقتصادية خاصة وذات أنظمة خاصة وإنشاء نقابات خاصة لتنظيم العمل والمزايا والمنافع.
وتهتم الدول والحكومات بهذا القطاع للعديد من الأسباب أهمها أنه يتكون في غالبه من الفئات والموظفين الأقل حظا أو الفقراء، وبالتالي هناك الكثير من الحقوق لهذه الفئات غير ممنوحة لهم عدا عن واجبات أصحاب العمل غير الملتزم بها، مثل الحد الأدنى للأجور، المزايا والمنافع مثل التأمين الصحي والتقاعد والعقود الرسمية والإجازات وغيرها.
ومن جهة أخرى، يمثل هذا القطاع مصدرا محتملا مهما في توفير ايرادات لخزينة الدولة وكذلك مصدرا للمعلومات عن القطاعات الاقتصادية ودورها وحجمها الحقيقي لأهداف التخطيط والتطوير.
التركيز الأكبر لهذا القطاع على حجم العمالة التي يشغلها أو يوظفها هذا القطاع وأثرها على نسبة البطالة المعروفة في الدولة ذات العلاقة وبالتالي حجم العمالة غير الرسمي اذا ما أضيف الى حجم العمالة الرسمية، سيؤثر إيجابا (يخفض) نسبة البطالة حتى اذا استثنينا السوريين والعمالة المصرية وغيرها.
بالإضافة الى ذلك، تشير المؤشرات والأمثلة العالمية الى أن مساهمة هذا القطاع في الناتج المحلي الاجمالي قد تصل الى 15 %، وهي مساهمة مرتفعة ويمكن أن تدفع عجلة النمو والازدهار بشكل ملحوظ.
بالإضافة الى ذلك، تلعب الريادة دورا مهما في القطاع غير الرسمي، وبالتالي يعاني الرياديون عادة من ارتفاع رسوم التسجيل وإجراءات التسجيل، بالإضافة الى كلفة العمالة من تأمين واشتراك تقاعد ورواتب.
بناء عليه؛ من المهم استقطاب الرياديين من خلال منح حوافز لهم ولأعمالهم ليتم انخراطهم في النظام والاستفادة من الحوافز مثل التشبيك والتدريب والتسويق وفتح فرص البيع أو التصدير وغيرها.
الشمول المالي وتوسيع قاعدة المتعاملين مع القطاع المالي يمكن أن تكون أداة وحافزا لجذب هذا القطاع وإدخاله تدريجيا الى النظام بهدف بناء القدرات والحماية، ومع تطور عمل أي منشأة يتم تسجيلها حسب النظام الخاص واستقطابها الى الهيئات المهنية وإشراك العمالة في البرامج والمنافع الخاصة بهم.
بعيدا عن الأرقام وما يمثله هذا القطاع، من الضروري الوقوف عند هذا الأمر والعمل على جذب هذا القطاع وتسجيله أو إدخاله ضمن النظام الاقتصادي.
وفي المقابل، من الأهمية بمكان عدم محاولة "التنظيم القصري" للقطاع؛ بمعنى أن يتم تقديم حوافز وإعفاءات للقطاع طوعا وليس تنظيمه بغرض فرض ضرائب ورسوم وفرض قوانين وغيرها من الأسباب التي تدعوه للهروب.

خبير مالي ومصرفي وتنمية اقتصادية