دولة الموظفين

لم يكشف اضراب المعلمين عن ازمة الادارة العامة و"دولة الموظفين" فهي أزمة معروفة ومدركة من قبل صناع السياسات والمواطنين ايضا، وليس من اليوم بل من سنوات طويلة، ولكن الاضراب اضاء على التحولات التي تشهدها هذه الازمة، وما لحق بالوظيفة العامة من ترهل وما ينذر به استمرار الوضع الراهن من تهديدات، كما هو الحال في مدى الحاجة الى نظرية جديدة في اصلاح القطاع العام ليس من المنظور التقليدي الداعي على مدى سنوات مضت الى ترشيق القطاع العام بل من منظور قوة القطاع العام، فمزيج قوة الخدمة العامة يقوم على الكفاءة والفعالية والانتاجية معا وليس على مجرد الحجم.اضافة اعلان
منذ سنوات قامت الفرضيات الاصلاحية على اطروحة اساسية هي مشكلة حجم القطاع العام، وشهدت البلاد في اخر عقدين عددا من الخطط والبرامج التي حاولت اصلاح ما وصف بالتشوه في هيكل القوى العاملة، وحملت هذه المحاولات مبالغات عديدة حينما ذهبت الى ان حجم العاملين في القطاع العام هو المشكلة الأولى والاخيرة، وليس انتاجية وجودة الخدمة العامة، صحيح ان ترشيق الادارة العامة على درجة كبيرة من الاهمية، ولكن الاولوية الوطنية الاساسية تبدو اليوم في الحاجة الى توسيع القطاع الخاص وتقوية القطاع العام وللاسف لم تدر العمليات الاصلاحية على هذا الاساس.
وعمليا تتهم العملية الاصلاحية التاريخية التي تناولت هيكل الاقتصاد والادارة العامة منذ التسعينيات انها عملت على اضعاف القطاع العام ولم تعمل على توسيع القطاع الخاص بالدرجة المطلوبة، والى اليوم لا يوجد اطار فهم وطني او توافق الحد الادنى حول ماذا نريد من القطاع العام.
يبلغ عدد موظفي الدولة نحو 220 الفا ويشكلون نحو (2.3%) من عدد السكان، وهذه النسبة اقل من النسب الاقليمية ( السعودية 4% ومصر 6.5 %، وعُمان 4.2 % والعراق 15 %) ولكنها ما تزال أعلى بكثير من المعدل العالمي 1.08 %، نجحت السياسات الحكومية في السنوات العشر الاخيرة بتخفيض اعداد موظفي القطاع العام بالمقارنة مع النمو السكاني، وعلينا ان نلاحظ ان العديد من دول المنطقة نجحت في هذه الوصفة ( مصر والسعودية والبحرين وغيرها )، ولكن المشكلة لدينا ليس في الحجم الكبير نسبيا للكتلة الوظيفية بل في ضعف انتاجية الموظف العام وتردي الخدمة العامة، ويرتبط هذا الامر بعدد من العوامل لعل ابرزها تدني دخل الوظيفة العامة مقارنة مع غلاء المعيشة ما يدفع اعدادا كبيرة من موظفي القطاع العام للبحث عن عمل آخر مساند لمساعدته على الوفاء بالتزامات الحياة، لا توجد لدينا ارقام موثوق بها حول اعداد الموظفين الذين يعملون اكثر من عمل وحسب تقديرات انطباعية فهم في حدود 30 % من موظفي القطاع العام.
يقود بحث الموظف العام عن اكثر من وظيفة الى آثار مباشرة على انتاجيته في الوظيفة العامة وعلى جودة الخدمة العامة التي يقدمها، ويعمل هذا الامر الى تشويه هيكل القوى العاملة في القطاع العام، وتقديم وصف مشوه وغير دقيق لهيكل العمل في القطاع العام ومعدلات الاجور فيه، فمعظم مزدوجي الوظيفة يعملون في وظيفتهم الثانية في القطاع الخاص، وللاسف يتيح نظام الخدمة المدنية العمل خارج اوقات الدوام الرسمي وعادة يتم الالتفاف على هذه الجوازية بأشكال مختلفة.
ان اشكالية الانتاجية في الوظيفة العامة هي العلة الكبرى التي تواجه القطاع العام، وهي مرتبطة بكفاءة وتحديث النظم والموارد البشرية من جهة وبسياسات الرواتب من جهة ثانية، هذه الايام تناقش الحكومة مراجعة نظام الخدمة العامة، من المفترض ان يكون هذا التشريع اكثر ملاءمة لرفع انتاجية الموظف اولا وتحديث نظم الوظيفة العامة والموارد البشرية، فما زالت مسألة انتاجية الموظف العام مجرد شعار. في نفس الوقت حان الوقت لوضع رؤية وطنية واضحة لسياسات الرواتب في القطاع العام المرتبطة بتحديث الادارة العامة ورفع الانتاجية.