دولة ديمقراطية واحدة: ما الذي يجري؟

شاخصة دعائية لفكرة الدولة الواحدة في طريق بالقرب من كفر عقب المفضي إلى رام الله – (أرشيفية)
شاخصة دعائية لفكرة الدولة الواحدة في طريق بالقرب من كفر عقب المفضي إلى رام الله – (أرشيفية)

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

بليك ألكوت* - (ذا بالستاين كرونيكل) 5/4/2018

يبدو أن الريح أصبحت تهب الآن في ظهر حركة "دولة ديمقراطية واحدة". وقد شهدت السنتان الأخيرتان طفرة في التنظيم من أجل دولة ديمقراطية واحدة، خاصة منذ كانون الأول (ديسمبر) 2017، عندما رفض محور الولايات المتحدة/ إسرائيل مطلب الفلسطينيين المركزي بالقدس عاصمة لهم، وهو ما جعل "الدولة" الفلسطينية التي تحدث عنها حل الدولتين غير مقبولة مرة واحدة وإلى الأبد.
لكن فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة ليست رد فعل على عبثية، أو استحالة، أو "موت" حل الدولتين. كانت الحركة تقول دائماً إن حل الدولتين هو شأن "غير مرغوب فيه" في المقام الأول، سواء كان قابلاً للتحقق أم لا: فهو يقسم الوطن، ولا ينطوي على أي سيادة حقيقية للفلسطينيين، كما يترك اللاجئين والفلسطينيين الذين يعيشون داخل إسرائيل في العراء.
بدلاً من ذلك، تأسست حركة دولة ديمقراطية واحدة على المبادئ الأولى: وحدة فلسطين، وحقوق الإنسان، وحق المواطنة لكل الذين يعيشون في المنطقة بين النهر والبحر، والحق المطلق وغير القابل للتصرف بعودة كل الفلسطينيين تعرضوا لعملية تطهير عرقي كمواطنين، أينما يكونون، واستعادة أملاكهم في وطنهم.
هذا الموقف الواضح، الذي أحبطته الصهيونية، هو الذي اعتنقته القيادة الفلسطينية منذ العام 1918 وحتى العام 1948، وورد في شهادة أمام لجنة كينغ-كرين في العام 1919، وقرارات المؤتمرات العربية الفلسطينية السبعة في الأعوام ما بين 1919 و1928، والالتماسات التي قدمت للانتداب البريطاني وعصبة الأمم في الثلاثينيات، والمواقف التي عُرضت في محادثات مائدة سانت جيمس المستديرة في العام 1939، وفي اللجنة الأنجلو-أميركية في العام 1946 وفي اللجنة الخاصة للأمم المتحدة الخاصة بفلسطين في العام 1947.
في حين تفتقر مواثيق منظمة التحرير الفلسطينية للعامين 1964 و1968 إلى التفاصيل حول الدولة الفلسطينية المستقلة المستشرَفة، سعت المجالس الوطنية الفلسطينية حتى العام 1947 إلى دولة واحدة علمانية وديمقراطية في كامل فلسطين، مدعومة من 99 % من الفلسطينيين. ثم تجاهلت هذه القيادة بعد ذلك على مدى 15 عاماً فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة بالتدريج لصالح حل "البانتوستان" الذي وعدت به اتفاقيات أوسلو بعد 20 سنة لاحقاً.
بمعنى أنه، حتى الثمانينيات، لم يكن جوهر حل الدولتين -القبول بالتقسيم، والقبول بحقوق يهودية/عرقية في فلسطين، والتخلي عن اللاجئين- يستحق الحديث عنه مطلقاً في حقيقة الأمر. وقد رفضت حركة "أبناء البلد" في الجليل والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين التغيير الذي حدث في عقيدة منظمة التحرير الفلسطينية، وأبقت على رؤية الدولة الديمقراطية الواحدة حية في ظل قمع شديد مارسه الكيان الصهيوني. وجاءت استعادة رؤية الدولة الديمقراطية الواحدة بعد كارثة أوسلو، بقيادة شخصيات مثل إدوارد سعيد، وغادة الكرمي، وعزمي بشارة وطوني جودت.
في الفترة بين العامين 2004 و2007، ظهرت مجموعة من الكتب التي تناقش الفكرة: كتاب مازن قمصية "تقاسم أرض كنعان"؛ وكتاب فيرجينيا تيلي "حل الدولة الواحدة"؛ وكتاب علي أبو نعمة "بلد واحد"؛ وكتاب غادة الكرمي "الزواج من رجل آخر". وعُقدت مؤتمرات في مدريد، وساوثامبتون، وحيفا، وبوسطن، وشتوتغارت، وميونخ، وزيوريخ، ودالاس وتورنتو. وكُتبت مقالات ومقتطفات: مقال جميل هلال "فلسطين الآن، إلى أين"؟ ومقال لوينستاين ومور "بعد الصهيونية"؛ ومقال هاني فارس "فشل حل الدولتين"، وكذلك مقال عوفرا يشوا-ليث "القضية من أجل قدس جديدة علمانية".
ومثل هؤلاء المؤلفين، ناقش قادة مثل عمر البرغوثي، وجورج بشارات، وسوزان أبو حلاوة، وإيلان بابي، ونور ماشاالله، وليلى فرسخ، وحاييم بريشيث، وآن-ماري جاسر، وجوزيف مسعد، وسلمان أبو ستة، ونورتون ميزفينسكي، وأيّدوا علناً فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة. كما أن منظمة "بديل"، وأكاديميين مثل وليد الخالدي، فيكتور قطان، ريكس براينين، ناصر العاروري، فرانسيس بويل، روزماري الصايغ، وجون كويغلي، عملوا كلهم بلا كلل من أجل تأكيد حق العودة، الذي يمكن أن يتحقق فقط في إطار دولة ديمقراطية واحدة.
أخيراً، التنظيم
كان الحزب السياسي "التجمع الوطني الديمقراطي" ("التجمع"، أو "البلد")، وهو الآن جزء من "القائمة المشتركة في الكنيست"، يدافع في العشرين سنة الأخيرة عن إسرائيل تكون "دولة لكل مواطنيها"، وليس لليهود فقط، في حين وقف الحزب بقوة إلى جانب حق العودة. ومع أن برنامج الحزب سيجعل المناطق التي احتلت في العام 1948 ديمقراطية حقاً، فإنه كان أقل تحديداً في موضوع إعادة توحيد فلسطين وكيفيات العودة. وكانت المطالبة بالدولة الديمقراطية الواحدة -أي الأيديولوجية الديمقراطية القياسية- هي السبب في نفي زعيم الحزب، عزمي بشارة، في العام 2007.
بطبيعة الحال، تتضمن رؤية "حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات على إسرائيل" فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة. ففي حال تم الوفاء بالشروط الثلاثة التي أعلِن عنها في العام 2004 لإنهاء المقاطعة -السيادة للضفة الغربية وقطاع غزة؛ والمساواة الكاملة للمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل؛ وحق العودة- سيكون لديك ما يمكن اعتباره "دولتين ديمقراطيتين". ولكن، إذا أضاف المرء مطلب حركة المقاطعة الرابع، أي حق تقرير المصير الفلسطيني، والذي شمل منذ أيام وودرو ويلسون رفضاً قاطعاً لتقيسم البلاد، فإن إعادة التوحيد في دولة واحدة سوف يتبع حتماً.
ثمة ثلاثة إعلانات مشابهة لفكرة الدولة الديمقراطية الواحدة، والتي تميل نوعاً ما نحو معارضة الحل ثنائي القومية، والتي ظهرت في الأعوام 2006 و2007، وكتبها فلسطينيون في إسرائيل: "الرؤية المستقبلية للعرب الفلسطينيين في إسرائيل"، للجنة الوطنية لرؤساء السلطات العربية المحلية في إسرائيل؛ و"الدستور الديمقراطي"، لمنظمة "عدالة"؛ و"إعلان حيفا" لمنظمة "مدى الكرمل"، المركز العربي للأبحاث الاجتماعية التطبيقية.
كما أن موقعي 1not2 وOne Democracy ومقرهما إنجلترا، وموقع One Democratic State ومقره تكساس (الموقع مخترق حالياً)، حملت مشعل الدفاع عن هذه الفكرة على المستوى الدولي لبعض الوقت. ويقود المجموعة الأخيرة سمير عبد ربه، مؤلف "إعلان ميونخ" للعام 2012، الذي يوحد ثلاث مجموعات أخرى تشكلت في العام 2013: في أيار (مايو) "الحركة الشعبية من أجل دولة ديمقراطية على أرض فلسطين التاريخية"؛ وأيضاً في أيار (مايو)، مجموعة "يافا من أجل دولة ديمقراطية واحدة"، وفي تموز (يوليو) في إنجلترا مجموعة "دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين، المحدودة". ويبني "إعلان ميونخ" المباشر المكون من صفحة واحدة على -وينسجم مع- إعلانات الدولة الديمقراطية الواحدة المتعددة التي جاءت قبله، والتي كتبها المذكورون أعلاه.
يعيش معظم الأعضاء الخمسين لـ"الحركة الشعبية من أجل دولة ديمقراطية واحدة" في الضفة الغربية وقطاع غزة، وإنما يعيش بعضهم أيضاً في تركيا وسويسرا وإنجلترا والولايات المتحدة. وهي مسجلة كجمعية سويسرية في سجلات زيورخ، برقم تسجيل CHE-390-290.948، ويضم مجلس إدارتها كلا من راضي الجراعي، عماد سعيد، إبراهيم سعد، غادة الكرمي، منير العبوشي، إيلان بابي، سمير صبيحات، وليد أبو تايه، وأنا.
ويعيش معظم أعضاء حركة "دولة واحدة في فلسطين المحدودة" في إنجلترا، وبعضهم ما يزال مجهول الاسم من أجل تجنب التعرض لغضب دولة الفصل العنصري. وهي مسجلة كشركة محدودة من خلال الضمان، برقم تسجيل 08615817. وقامت المنظمة بتنظيم محاضرات عن الدولة الديمقراطية الواحدة لكل من غادة الكرمي، إيلان بابي، كارل صباغ، سلمى الكرمي، عواد عبد الفتاح، ربى صالح، وجدعون ليفي، وصنعت مفتاحاً معدنياً كبيراً للعودة، والذي وضع أمام كاتدرائية سانت ماري في إيدنبيرغ، وتسعى إلى استكمال عمل التضامن الذي تقوم به على جبهات أخرى، بالتركيز على حل قائم على فكرة الدولة الديمقراطية الواحدة.
ظهرت مجموعتان أخريان أيضاً في العامين 2016 و2017. هناك "مؤسسة الدولة الواحدة"، وهي مجموعة بلا عضوية، مسجلة في هولندا. وأعضاء مجلس إدارتها الثلاثة هم: حمادة جابر، وعوفر نايمان، وأنجيليك إيجبي، وهو دبلوماسي هولندي. وتنشر المنظمة بنشاط بالعربية والإنجليزية والعبرية، وأصبح لصفحتها على فيسبوك مسبقاً أكثر من 6.000 معجب. وثمة مجموعة أخرى، نظمها بشكل أساسي جيف هالبر، والتي تتكون بشكل حصري تقريباً من اليهود الإسرائيليين والمواطنين الفلسطينيين في إسرائيل، الذين يجتمعون في حيفا وإيكستر. وهي تميل بشكل ما نحو المطالبة بالحقوق السياسية الجماعية لمجموعات المواطنين المعرفين على أسس إثنية، أكثر من كونها تتبنى نهج حقوق الفرد الصارم الذي تتبناه حركة الدولة الديمقراطية الواحدة.
يصر ناشطون آخرون على أن كلمة "علماني" يجب أن تظهر في اسم أو عنوان أي حركة أو مجموعة تدافع عن الدولة الديمقراطية الواحدة، ولكن يبقى أن نرى إذا ما كان هؤلاء الناشطون سيظهرون في مجموعة علنية مرئية بهذه الصفات.
أخيراً، طرح بعض الصهاينة الليبراليين، مثل مجموعة "أصوات يهودية مستقلة" فكرة إقامة ديمقراطية حقيقية لكل الذين يعيشون الآن بين النهر والبحر، لكن موقفهم من التسوية حول موضوع حق العودة الفلسطيني والاحتفاظ بحق العودة الإسرائيلي غير متوافق مع موقف حركة دولة واحدة ديمقراطية.
مناقشات ووحدة؟
يشكل حق العودة حجر الأساس لتحرير فلسطين. ويعني هذا الحق أن أي فلسطيني يرغب في العودة إلى أماكن الأصل (الديار) في الأراضي التي تدعى اليوم إسرائيل، والتي كان الفلسطينيون قد طردوا منها منذ العام 1948، يستطيع أن يفعل ذلك -حرفياً. ويطابق أكثر من 8 ملايين فلسطيني هذا الوصف، والذين يمكن أن ينضموا إلى نحو مليوني فلسطيني يعيشون الآن في الأراضي التي احتلت في العام 48.
وهو يعني أيضاً أنهم سينالون حقهم جميعاً كمواطنين في فلسطين. كما يعني أيضاً الاستعادة الكاملة لأملاكهم وتعويضهم عن الخسائر التي لحقت بهم بسبب الطرد والتهجير منذ العام 1948. وكما في العام 1947، فإن أكثر من 90 % من أراضي فلسطين التاريخية ستكون تحت ملكية "وقف" فلسطيني خاص أو البلدية.
في حين أن المطالبة بحق العودة، واحترام الحقوق الإنسانية المنصوص عليها -على سبيل المثال- في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وتطبيق وقواعد حكم ديمقراطية عادية، توحد كل هذه المجموعات والأفراد، فإن هناك بعض الأمور التي تظل محلاً للجدل.
والأهم من بينها، هل يجب منح المجموعات العرقية والدينية حقوقاً سياسية صريحة في فلسطين؟ كان ثمة مبدأ يقوم على فكرة "الدولة لكل مواطنيها، وهو تقليد بعمر قرن ويشكل استمراراً للنظام العثماني منذ العام 1908 فصاعداً، والذي ضم المسلمين واليهود والمسيحيين والأرمن والدروز والأوروبيين والشركس، إلى أن نقضته بريطانيا بكلمات هربرت صموئيل وونستون تشرشل في الكتاب الأبيض للعام 1922، الذي نص على أن "الشعب اليهودي... يوجد في فلسطين على أساس الحق وليس على أساس المعاناة".
بمعنى أن لكل اليهود في كل مكان، وليس لبعض اليهود الأفراد، حقوقا سياسية في فلسطين. وقد تبنى البريطانيون هذا الهدف الصهيوني المتمثل بإقامة دولة قومية. وبطبيعة الحال، لا ينبغي لهذه الفكرة -مثل أن للهندوس أو الدروز أو المسيحيين الروم الكاثوليك حقوقا سياسية في فلسطين مثلاً بفضل جيناتهم أو أديانهم- لا ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد.
مع ذلك، يبقى مكمن خوف الكثيرين من مؤيدي الدولة الديمقراطية الواحدة، هو أن الاعتراف بأي حقوق جماعية، والتي محددة بشروط العرق أو الدين، يمكن أن يفتح الباب أمام بعض من هذه القومية الثنائية، أي الأيديولوجية التي تقول بوجود "أمتين" معرَّفتين إثنياً (بل إن هناك أكثر من اثنتين في الحقيقة) في فلسطين التاريخية، بحقوق جماعية متساوية: وفق الصورة القديمة الزائفة عن التكافؤ، التي تتحدث عن وجود جانبين بحقوق أخلاقية متساوية يزعمان النضال من أجل دولة واحدة.
غالباً ما يتم تجاوز حقيقة أن المطالب الجماعية للفلسطينيين ليست معرَّفة على أساس عرقي عنصري، وإنما على أساس متعدد الأعراق باعتبارهم الشعب الأصلي لهذه الأرض. وهذه المطالب مبررة من حيث تقرير المصير الجمعي، لكن الجمعي هنا معرَّف على أساس الأرض والتاريخ، وليس على أساس العرق.
بطبيعة الحال، من الممكن أن تكون حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، وهي واحدة من مجموعتين سياسيتين فلسطينيتين كبيرتين، بصدد طرح مطالب سياسية للمسلمين، والتي تفوق ما لأولئك من غير المسلمين. لكن ميثاق الحركة الجديد الذي أعلن في أيار (مايو)، ينص بعد كل شيء على أن "الإطار المرجعي لفلسطين هو الإسلام"، وأنها "أرض عربية إسلامية".
تستشرف حماس بطبيعة الحال فلسطيناً مستقلة موحدة من جديد، وتدعم حق العودة من دون أي شروط أو استثناءات، لكنها تختلف على الأرجح عن حركة الدولة الديمقراطية الواحدة في اعتبار أن "الفلسطينيين" هم فقط "العرب الذين عاشوا في فلسطين حتى العام 1947"، تاركة سؤال مواطنة غير العرب مفتوحاً. وفي حين أن الدولة الديمقراطية الواحدة سوف تعامل كل اليهود الإسرائيليين الحاليين كمواطنين -ولو أنهم يشكلون أقلية- فسيترتب على حماس في هذه المعادلة أن تتبنى مبدأ "المواطن غير الفلسطيني في فلسطين". وبالمثل، سيكون على الحركة الإسلامية الموجودة في إسرائيل أن تُربع دائرة دولة تكون ديمقراطية، وإما "عربية" أو "إسلامية"، في آن معاً.
ثمة جدل آخر يدور حول كلمة "علمانية"، التي لا تعني بالإنجليزية الإلحاد أو معارضة الدولة للدين، وإنما مجرد الفصل بين الدولة والدين (والعرق). ومع ذلك، يحمل المصطلح بالعربية وفي التاريخ السياسي لفلسطين والشرق الأوسط الأوسع، مثل هذه الدلالات على ما يبدو. وبذلك، يصف "إعلان ميونخ" في المادتين 4 و5 دولة علمانية من دون أن يستخدم الكلمة نفسها.
وهناك قضية أخيرة، هي الطبيعة الدقيقة لاستعادة الممتلكات. ولا يتطلب الأمر إعادة اختراع العجلة، لأن السوابق وفيرة، وليس أقلها ما يتعلق بمسألة أملاك اليهود التي صودرت في العام 1930 وفي الأربعينيات في أوروبا. وقد تعاملت الرؤية المطبقة في تلك الحالات مع حقوق الملكية بشكل صارم، وسوف تعني في حالة فلسطين أنه ما إن تعود الملكية إلى الفلسطينيين أو إلى مؤسسة فلسطينية سياسية أو دينية، فسيكون للمالكين العائدين الحق في تقرير ما سيحدث لتلك الأرض ومن يعيش فيها ومن يعمل عليها. وهذا ما تعنيه الملكية عادة.
سوف تستلزم وجهة النظر المناقضة تعديل هذا التصور لحقوق الملكية بُغية ضمان أن أي يهودي فرد -أو، إذا كان ذلك يهم، أي مقيم فلسطيني على أرض فلسطيني آخر- لن يتم طرده وإخلاؤه؛ وسيكون البحث متعلقاً بالعثور على تسوية جمعية ضرورية سياسياً على الرغم من عدم قابلية حقوق الملكية للتصرف في القانون الدولي. وهنا، يجب موازنة حقوق الفلسطينيين الذين انتزعت ملكيتهم مع الوضع الإنساني لأولئك من أبناء وأحفاد والمهاجرين الحاليين، الذين ولدوا ليجدوا أنفسهم يقيمون ويعيشون في فلسطين.
الدولة الديمقراطية الواحدة
هي رؤية إيجابية
مرة أخرى، في تصورنا للدولة الديمقراطية الواحدة، ليس علينا حتى أن نأتي على ذكر حل الدولتين، أو أفوله، أو استحالة تحققه -أو حتى انتهاكه الصريح والفاضح لحقوق الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين. ومهما تكن الأخلاقيات والسياسات العملية المحيطة بمهزلة حل الدولتين، فإنها تشكل عامل تشتيت سلبي، ويمكن تجاهلها بأمان.
بالإضافة إلى ذلك، يمكن الجدال لصالح الدولة الديمقراطية الواحدة بينما يتم تجنب أي هوس بإسرائيل؛ بما تفعله، وما تريده، أو ما تمثله. فالأطروحة تنطلق من الحقوق الفلسطينية، نقطة. بل إن من شأن مثل ذلك التركيز على الإسرائيليين -أو ما إذا كانوا ‘سيقبلون’ الدولة الديمقراطية الواحدة أم لا- هو شكل من أشكال التطبيع. وربما يكون التحول عن انتقاد إسرائيل إلى تجاهلها أمراً مفيداً.
ينبغي تحقيق أي شيء آخر غير دولة التمييز العنصري الواحدة غير الديمقراطية الموجودة الآن، والتي تمنع 7 ملايين فلسطيني من دخول فلسطين -ناهيك عن العودة إليها- من خلال ممارسة ضغط خارجي قوي، متشعب ومتعدد الطبقات، على الدولة الإسرائيلية. وفي حين أن الدولة الديمقراطية سوف ترحب بإخلاص وقلبياً بأي يهودي إسرائيلي، فإنها تميل إلى إلقاء نظرة واقعية على الحوار مع الصهيونية، وهو حوار ظل جارياً بلا طائل على مدى 100 عام -وهو كذلك لأن ما بين 80 % و90 % من اليهود الإسرائيليين ما يزالون يتمسكون بقوة بالصهيونية.
ومن الناحية الأخرى، يبدو العمل على إقناع الفلسطينيين بالوقوف خلف خيار الدولة الديمقراطية الواحدة منطوياً على وعد -حيث إن نصفهم على الأقل متعاطفون معه. وبينما كنتُ أزور لبنان في العام الماضي، لم ألتقِ بأي فلسطينيين لا يدعمون الدولة الديمقراطية الواحدة. بل إن استطلاعات الرأي الحديثة لسكان الضفة الغربية وغزة تظهر دعماً يزيد عن 40 % له. وبما أن الدولة الديمقراطية الواحدة هي الحل الوحيد الذي يجلب العدالة للفلسطينيين في الشتات، فيمكن للمرء أن يفترض بأمان أن الدولة الديمقراطية الواحدة تتمتع بدعم غامر عندما يُسأل كل الفلسطينيين عنها.
من المشجع أيضاً ملاحظة حركة "فلسطينيي الشتات" التي عقدت تحت عنوان "مؤتمر الفلسطينيين في الخارج" الذي شارك في رئاسته ماجد الزير من مركز العودة الفلسطيني، تجمعاً حضره أكثر من 5.000 شخص في إسطنبول في شباط (فبراير) 2017. وفي حين أنني لا أعرف سوى القليل عن هذه المجموعة، فإن برنامجها يرجح أن يكون غير متهاون مطلقاً بشأن حق العودة وعدم تقسيم الوطن.
مثل باقي المؤيدين الدوليين لمبدأ منح كافة الحقوق لكل الفلسطينيين، كان علي أن أختار وأنتقي من بين المواقف الفلسطينية المختلفة. ولم أجد ثمة موقفاً جامعاً موحِّداً. وبالإضافة إلى ذلك، ليس ثمة رؤية. ومثل كل المساعي الأخرى التي بدت مستحيلة، لكنها نجحت في نهاية المطاف -مناهضة العبودية، مثلاً، أو معاناة النساء، أو مناهضة نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، أو في الحقيقة، النازية- يبدو لي أن القضية الفلسطينية في حاجة إلى رؤية.
لكن حل الدولتين هو أي شيء سوى أن يكون رؤية. وفي حين أنه لا يحق لغير الفلسطيني أن يتجادل حتى لثانية واحدة مع أي فلسطيني دفع الاستحقاقات، والذي يعتقد بأن المعاناة قد استمرت وقتاً طويلاً بما يكفي، وأن على المرء أن يأخذ أي شيء يمكن أن يُحسب دولة فلسطينية في الوطن، فإنه ليس لنا خيار سوى احترام الفلسطينيين الذين يعتنقون موقف حل الدولتين. لكننا نعمل مع أولئك الفلسطينيين واليهود الذين يريدون ديمقراطية تتجاوز العرق والدين والاستعمار، ويريدون تحقيق العودة –كمواطنين- لكل الفلسطينيين بلا استثناء.

*خبير في الاقتصاد البيئي وناشط مؤيد للفلسطينيين، مدير منظمة "دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين (إنجلترا) المحدودة"، وهي منظمة غير ربحية، تهدف إلى التعليم والتنظيم -في فلسطين التاريخية وفي إنجلترا- لصالح فكرة إقامة دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية.
*نشر هذا الموضوع تحت عنوان: One Democratic State: What’s Happening?

اضافة اعلان

[email protected]