ديكتاتورية الطبقة "الهاملة"

لم تكتمل ظاهرة "المجتمع الافتراضي" بعد. على الأقل هذا ما يبدو لي. ولا أعرف إن كان هذا الاستنتاج عاماً إذا كان صحيحاً من أصله! يوجد قدر من التداخل بين المجتمعين (الافتراضي والواقعي)، لا سيما على المستويات الكلية، لكن يوجد أيضاً استقلالية ظاهرة بين المجتمعين على مستوى الفرد. اضافة اعلان
أدرك أن الفقرة السابقة غير مفهومة وتلك مسؤوليتي بالطبع، فتعالوا نتعاون على التوضيح.
أحياناً قد يقلق أحدنا مثلاً تجاه موجة توتر تسود على الفيسبوك، ولكنه يبحث عن هذا التوتر في الواقع فلا يجده. فقد ترى شخصاً يرد أو يتفاعل، وقد يسب ويشتم، على الفيسبوك، ولكنه في الوقت نفسه يمارس عملاً آخر يحتاج لانفعالات مناقضة.
حاولت شخصيا مراقبة علاقات الأشخاص الواقعية ومدى ارتباطها بما يتبادلونه على الفيسبوك، ولاحظت غالباً أن الناس يحاولون في علاقاتهم الواقعية الثنائية تلافي ما يدور بينهم على الفيسبوك، او هكذا يحبون أن يظهروا أمام بعضهم. وقد جرّبت أحياناً أن أتصل بالهاتف مع شخص كتب لي تعليقا على الفيسبوك، لأتابع معه ما كتب مباشرة، وفي أغلب الحالات لم أجد ترحيبا بهذا السلوك.
لكن بالتوازي مع ذلك، فإن ما يجري على الفيسبوك يترك أثره عندما يتعلق الأمر بطرف ثالث، أي أن النشطاء يتلافون نقل ما يجري في الافتراضي إلى علاقاتهم الثنائية، لكنهم ينقلونها مع الطرف الثالث، وقد يقيم ناشطان تحالفاً واقعياً ضد ثالث. لهذا نسمع مثلاً عبارة "أرأيت ما كتبه فلان؟" أو "لقد اعجبني ردك على فلان"، أو يعاتب أحدهما الآخر: "كيف تضع لفلان إعجاباً؟"، بينما يندر أن تقال هذه العبارات على المستوى الثنائي.
أجريت اختبارات مختلفة مع أشخاص لا أعرفهم، وخاصة عند حصول مداخلات مسيئة، فأتسلح بما تعلمته من أدوات بحثية ومنها الاسترخاء الشديد في الحوار وعدم الرضوخ للاستفزاز، وأتواصل عن طريق الرسائل الخاصة، وفي كثير من الحالات توصلت إلى نتائج توضح أن الطرف الآخر غير مصر على ما وجهه لي، فيظهر حوار الرسائل في النهاية طريفاً، فهو يبدأ بالشتائم والتهديد أحياناً وينتهي بكلام عادي، أي أن نقل ما يجري في الافتراضي إلى الواقعي ينتج عنه اختلافات في المحتوى.
مع هذا فأمر المجتمع الافتراضي يتعقد بالتدريج، فصحيح أنه يبدو كمجتمع مكون من متساوين من حيث الأدوات: اتصال بالانترنت وشاشة خلوي أو كمبيوتر، لكن سرعان ما أخذت تتكون مظاهر سلطة داخله، تماماً كما يحصل في أي مجتمع يتشكل حديثاً.
قاعدة "عِد رجالك وِارْد الماء" انتقلت إلى المجتمع الافتراضي على صيغة "عِد مُتابعيك واِرْد الفيس".
حدثني صديق نشيط في المجتمع الواقعي منذ سنوات طويلة، وعنده محاولات متواضعة في "الافتراضي"، أنه ذهب ليناقش نشاطاً سياسيا مشتركاً مع آخر عديم التجربة الواقعية لكنه أنشط في الافتراضي، فتمنع الأخير عن الاشتراك بالتساوي: "عندي صفحة من عشرين ألف لايك فماذا لديك؟".
بتسارع شديد، تتميز فئات جديدة داخل هذا المجتمع الافتراضي، وتحتل مواقع سلطوية واضحة فيه، وهناك تراتبية جديدة، وعمليات تصعيد اجتماعي افتراضية، وبدأت المراتب تأخذ مسميات، فقد تجاوزنا تسمية مشترك وناشط إلى مؤثر، كما اشتهر مصطلح "الأقلية الصارخة" عندما يتعلق الأمر بتحالف بين عدد من النشطاء البارزين.
في بعض الحالات يبدو الأمر مجرد سعي إلى متعة التأثير، أو متعة قيادة المجتمع الافتراضي، ولكن أحياناً يوجد ربط واضح ومباشر وآني مع المجتمع الواقعي ومصالحه الواقعية.
الصراع داخل المجتمع الافتراضي يحتدم ويزداد عنفاً، وقبل فترة شعرت أن أحدهم سحب في وجهي "بوست كبّاس"!