دَقّ شدّة

 

جذب انتباهي مؤخّراً خبر غريب بعض الشّيء، تم نشره عدّة مرّات في الصّحف. الخبر يتحدّث عن إقامة "أسبوع للضّحك" من قِبَل أمانة عمّان، وذلك من خلال مهرجانها "صيف عمّان 2009". على مضض قرأت الخبر، ثمّ صرت أبحث عن سبب واحد يدعو الجمهور الأردني إلى الضّحك، فلم أفلح! بالمقابل وجدت هناك أسباباً كثيرة تدعو النّاس إلى التّكشير، وربّما إلى الصّراخ، هنا رحت أستحضر بعض هذه الأسباب التي تجعل من حياتنا جحيماً لا يُطاق:

اضافة اعلان

أوّلاً: مسلسل محاكمة الشّعراء والكتّاب الأردنيّين وحبسهم ومنع كتبهم من التّوزيع. وفي هذا المجال فإنّ هذا المسلسل (إن ظلّ قائماً) سوف يحرق في طريقه الأخضر واليابس من مؤلَّفات الكتّاب الأردنيّين والعرب، وفي فترة وجيزة سوف نحتلّ المرتبة الأولى عالميّاً على صعيد التّنكيل بالكتّاب، وبذلك ندخل كتاب غينيس للأرقام القياسيّة!

ثانياً: الانتشار المرعب لمرض السّرطان، ومعه مرض السّكّري الفظيع، حيث تقول آخر الإحصائيّات أنّ معدّل الإصابة بمرض السّرطان في الأردن يُعتَبر من المعدّلات العالية عالمياً، أمّا بالنّسبة لمرض السّكّري فتقول الإحصائيّات أنّ ثلث الشّعب الأردني مصاب بهذا المرض. على صعيدي الشّخصي فقد كثر معارفي الذين وقعوا في براثن السّرطان! وكلّما شاهدت أحدهم يلبس قبّعة وضعت يدي على قلبي، والتفتّ باتّجاه ذلك الشبح الدّميم الذي يوزّع القبّعات وهتفتُ برجاء: يا عزيزي ابعد عن طريقي، فأنا لستُ بحاجة إلى قبّعتك!

ثالثاً: الارتفاع الفلكي لأسعار المواد الغذائيّة والمحروقات. هل يمكن أن يجيء الوقت الذي يجعلنا مثلاً نشتري البامية بالقرن؟ أو أن نقول لبائع الخضراوات أرجوك أن تبيعني نصف حبّة ليمون يا سيّدي؟ قبل أيّام وقفت عند محطّة وقود لأعبّئ السّيّارة بالبنزين، وشاهدت شيخاً طاعناً في السّنّ، وكان يحمل بين يديه زجاجة ملأها بالكاز لا تزيد سعتها على نصف لتر، فتحت له باب السّيّارة فصعد، وحين سألته عن أمر الزّجاجة التفتَ إليّ وضحك، ثمّ قال هذه الزّجاجة ليست من أجل أن أعبّئ قدّاحتي القديمة بها، ولكنّها من أجل البابور يا ولدي.

رابعاً: ارتفاع حالات الطّلاق في الأردن في السّنوات الأخيرة، في العام الماضي بلغت هذه الحالات ما نسبته 4.7% من مجموع حالات الزّواج، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدلّ على الأوضاع الخطيرة التي تعيشها الأسرة الأردنيّة، ومقدار الضّغوط التي تتعرّض لها.

خامساً: بروز ظاهرة الانتحار على السّاحة الأردنيّة كظاهرة جديدة لم تكن معروفة من قبل، حيث يلجأ الشّخص المنتحر إلى التّلويح بالانتحار، أو التّخلّص من حياته احتجاجاً على الظّروف المأساويّة التي يعاني منها.

سادساً: حالات سحب الجنسيّة من أردنيّين وأردنيّات ولدوا وعاشوا في الأردن، تحت يافطة دعم صمود الأهل غربيّ النّهر. وهنا نسأل لماذا لا يتمّ دعم صمودهم مع الإبقاء على جنسيّتهم الأردنيّة، حتى يتمكّنوا من السّفر والدّراسة ورؤية العالم؟

في هذه الأثناء وجدت ذهني ينفتح على سيل من هذه الأسباب التي تسمّم الحياة: أقساط الجامعات والمدارس الباهظة، أجور الأطبّاء والمستشفيات المرتفعة، الجابي الذي يقوم بقطع الماء أو الكهرباء من دون سابق إنذار، كاميرات الرّادارات التي تفتك بالسّائقين على الطّرق، رغيف الفلافل السّوبر الذي يُباع بنصف دينار، ضريبة المبيعات، ضريبة المسقّفات، ضريبة الدّخل، ضريبة السّفر... إلخ.

بدلاً من أسبوع الضّحك الذي لا طائل وراءه، قلتُ في نفسي، لماذا لا تلجأ الأمانة إلى إقامة لعبة للشّدّة بينها وبين الجمهور، والطّرف الرّابح يُلزِم الطّرف الخاسر بتنفيذ أوامره! دَقّ شدّة لا غير، قلت ذلك وصرت أفكّر في العثور على لاعبين محترفين أجمعهم من المقاهي.

[email protected]