د. جورج الفار: "جبران خليل جبران فيلسوف حياة وليس فيلسوف عقل"

الدكتور جورج الفار- (تصوير: أمجد الطويل)
الدكتور جورج الفار- (تصوير: أمجد الطويل)

 عزيزة علي

عمان - تحدث د.جورج الفار عن الإشكالية التي تطرح نفسها حول معرفة إن كان الشاعر والكاتب والرسام اللبناني الأميركي جبران خليل جبران، فيلسوفا، وما نوع الفلسفة التي أراد تقديمها.اضافة اعلان
وأضاف الفار في الندوة التي نظمتها الجمعية الفلسفية الأردنية بالتعاون مع رابطة الكتاب، أوّل من أمس، تحت عنوان "جبران خليل جبران فيلسوفا"، أن معالم فلسفة صاحب "الأجنحة المتكسرة" قائمة على "الحرية الصغرى والحرية الكبرى".
وأوضح المحاضر "لقد نادى جبران في "الحرية الصغرى" بحق الفرد الإنساني في الحياة الحرة، وهي فكرة ثابتة وهاجسية لديه، لذلك نزع إلى التمرد الإصلاحي في مواضيع كثيرة، منها: "المرأة، الحب، الإقطاعية الاقتصادية، والتدين".
أما "الحرية الكبرى" عند جبران فهي تنادي، بحسب الفار بـ"الحرية القومية"، وامتلاك الإنسان القدرة على التحرر، وتحقيق الذات الحرة، "مع أن الحرية إذا انعتقت من قيودها تعود فتغدو قيدا لحرية أكبر منها"، مشيرا إلى أن الحرية ليست كمية من الأشياء المعينة، وإنما عنصر من عناصر الذات الإنسانية.
وقال الفار "الحرية عند جبران شكل من أشكال الوعي، والذات عنده "صانعة للتاريخ" ليس بقوة العقل وإنما بالديناميكية المتجددة، وبالهوى والخيال، أو الدفق العاطفي في الحياة"، مبينا أنه في هذه القضية يلتقي جبران مع نيتشه.
وتناول المحاضر وطنية جبران التي كان فخورا بها، وبضيعته التي أضفى عليها خياله، بحيث حوّلها إلى قطعة من السماء. "كما نادى جبران، يقول الفار، بعدالة اشتراكية النزعة، توقا منه لإحلال السعادة بين البشر، وفي الأرض التي أحب، ورغبة منه في تحرير الإنسان العالمي من شتى أشكال العبودية".
وتحدث الفار عن إيمان جبران بالفلسفات الشرقية، مشيرا إلى اختلاف الباحثين حول الفلسفة الأكثر إيمانا عند جبران "فكرة التقمص أو الحلولية"، منوها إلى أن البعض كان يرى أن جبران كان متبنيا للتقمص، فيما رآه آخرون مؤمنا بالحلولية. وقد أكد المحاضر على أن جبران "دمج الفلسفتين أو العقيدتين معا".
وفي ذات السياق أضاف المحاضر "أن جبران آمن بالفكر التصوفي الذي يحاول فهم أسرار الطبيعة والوجود، بالاستسلام الإيماني الحدسي، أو الروحي القلبي، لا بالاجتهاد العقلي والمنطقي، أو الجدل الكلامي. كما أنه لم يدع إلى التقشف والزهد، بل دعا إلى الانغماس في بهجة الحياة، وتأمل روعة الوجود"، مشيرا إلى نزوع جبران العاطفي إلى بعض القيم والآفاق الروحية الشرقية.
ورأى الفار أن خلاصة فلسفة جبران هي "وضع فلسفة إيمانية المنحى، حولية النظرة، تقدمية الطابع، مولدة تصوفا جديدا لحضارة جديدة، توري الزهد القديم في غيهب التاريخ، لتوقظ في الإنسانية علاقة روحية خاصة، بينها وبين العالم".
ووصف الفار جبران بالقول إنه "فيلسوف الحياة لا فيلسوف العقل"، مشيرا إلى أنه "وظّف الصراع بين الخير والشر لبلوغ الوحدة الكبرى التي تنتصر للإنسان، أي وحدته بالله وبالكون وبنفسه. والألم وسيلة لتطهير الإنسان، والتقائه بذاته العظمى الواحدة غير المجزأة".
ورأى المحاضر أيضا "أن جبران لم يكن لديه منظومة فلسفية تتميز باليقين والوضوح والإجماع "الوحدة"، ولم يكن له ضابط عقلي لوحدة المذهب الفلسفي في كتاباته. ومع ذلك لا يخلو أدبه من شذرات فلسفية ندعوها حدسية، بينما أدى البوح ببعض الخجل عن ميول طفلية الجذور، فنية الملامح، إلى إظهار خلفيات سيكولوجية شديدة الضغط، تقف وراء أفكاره كالطاقة المشحونة التي تجعلنا نتنفس أدبا".
وأضاف الفار "لم يكن جبران فيلسوفا بالمعنى الحصري للكلمة، ولم يدرسها، ولم يقدّم منظومة فيها، أو نسقا فلسفيا متكاملا. ولم يتعامل مع العقل الذي هو أداة الفلسفة الرئيسة في حياته وفي كتاباته، بل استعان بالوجدان والحدس والقلب لفهم الحياة. لذلك كان فيلسوفا للحياة الإنسانية، أكثر منه فيلسوف عقل وفكر ونسق".
وخلص الفار إلى "أن جبران عانى من شعور "أوديبي" (نسبة إلى عقدة أوديب) طاغ، ومن نرسيسية قادته إلى رفض عدمية نيتشه، وعدمية الحياة ذاتها".