ذاكرة مثقوبة

عندما يتقدم الواحد منا في العمر، تبدأ ذاكرته بالتسرب منه، وعادة ما تبدأ الأعراض بصعوبة تذكر اسم مطروق أو وجه مألوف، نتعذب ويشغلنا هذا الموضوع ساعات طويلة نحاول أن نقنع أنفسنا أنه مجرد عرض طارئ، لكن الأمر لا يلبث ان يتكرر، تقابل شخصا يناديك باسمك فتحاول عصر ذاكرتك لكنها تخونك، تحاول أن ترسم على وجهك ابتسامة مزيفة لتوحي أنك تذكره، يكشف خدعتك وقد يحاول الامعان في إيلامك بسؤاله "طيب مين أنا"، تلملم أذيال خيبتك وتنسحب.اضافة اعلان
من سنن الله في خلقه أن جعل انسحابهم من هذه الحياة يحدث تدريجياً حيث تبدأ أعضاؤهم ووظائفهم بخيانتهم تدريجياً وربما يحدث هذا لحكمة بالغة ليخف تعلقنا بهذه الدنيا بعد ان يكون الخريف قد صبغ كافة فصولها.
لكن لا شيء يقلق الواحد منا قدر خوفه من فقدان ذاكرته، فهي الركن الأخير الذي يأوي إليه في ظل خيانة الجسد، لكنها بدورها لا تشذّ عن القاعدة، فالإنسان يفقد في المتوسط  5 % من حجم دماغه كل عقد بعد تجاوزه العقد الرابع، وتذهب معه بعض وظائفه العليا.
لذلك هناك محاولات كثيرة وجادة يجريها علماء من تخصصات مختلفة محاولين وقف او على الاقل تأخير تأثر الدماغ بتقدم العمر بتجربة تداخلات مختلفة منها ما هو دوائي او سلوكي او حتى جيني. لكن علماء من استراليا تمكنوا مؤخرا من إثبات العلاقة الإيجابية والطردية بين ممارسة الرياضة وتحسن الذاكرة من خلال زيادة حجم الجزء الاهم من الدماغ المسؤول عن حث الذاكرة طويلة الأمد وهو "الحصين"، وتعتبر هذه التجربة الأولى من نوعها التي تثبت هذه العلاقة الإيجابية بين ممارسة الرياضة وتحسن صحة الدماغ أو وقف تدهوره عند البشر بعد أن كانت دراسة سابقة قد أثبتت ذلك عند الفئران.
هذه الدراسة تؤكد مجددا أن العقل السليم في الجسم السليم وأن الرياضة قد تكون أداة "الصيانة الوقائية" لأدمغتنا، لكن النشاط البدني يبقى "السنة المغيبة" عندنا، فقد خلصت احدى الدراسات اننا نقبع ولا فخر في اسفل الترتيب من حيث النشاط البدني مقارنة بالدول العربية.