ذبول القيم

محاصرون بقيم تذبل؛ الإباء والنخوة والكرم والكرامة والنبل والإيثار والمساعدة والمحبة والصدق والأمانة والرحمة والحرية والحق، وغيرها مما يشكل وجدان المجموعة.اضافة اعلان
لم يحدث هذا في غفلة منا، كنا مستيقظين تماما، إبصارنا 6/6، لمسنا ما نحن ذاهبون اليه، لكننا تغاضينا عن النهاية التي وصلناها، وحين وقفنا في قلبها بدأنا نلطم، ونمزق أحلامنا تحت وابل اليأس مما نغرق فيه.
اعتقدنا لوهلة ونحن في نعيم الحياة، أن الدنيا لا تسعنا، لأننا "أهل السيف والضيف والخيل"، قبضنا على ما كان عليه أسلافنا، وجلسنا في حضرته كأنه عائش بيننا، وتنعمنا بتركتهم، وتبجحنا بها، دون ان نعد العدة لما قد يأتي من تبدل وتغير في الحال والاحوال، فأغفلنا الحاضر والمستقبل.
ذبول القيم أو اندحارها، لا يحدث بسبب الفقر أو الجوع أو التردي المعيشي، وغيرها من ممدات الحياة ومهدماتها فقط، فهناك أسباب أكثر من ان تعد لإصابتها بالخرس، كما أن ارتفاعها ليس مرتبطا بالرخاء أو الرفاء حسب، ذاك أن التحولات التي تسري في دم أي مجتمع أو أمة، تتحرك في النطاقات التي تجعلها تستقر لتحتل امكنة جديدة في عقلنا الجمعي ووجداننا.
ما يحدث في مجتمعاتنا اليوم من ذبول للقيم، له أساساته التي نشأ عليها في الاسرة والمدرسة والمؤسسة، وما دفع لحدوثه اليوم، ارتهن ايضا الى الصدمات الكبرى التي تعرض لها العقل الجمعي من خسارات وهزائم وتغيرات، لم تجر معالجتها في حينه ووضع حد لاستنزافها منظومتنا القيمية.
ففي غفلة صنعناها نحن، واتفقنا عليها دون ان نوقع ميثاق الاتفاق، استرخينا في هواجس الامتنان للحظة العيش مهما بدا شكلها، واستمتعنا بما نسرقه منها دون ان نحسب حسابا للزمن، وكيف سيقلب الطاولة على رؤوسنا.
اختلطت خطوات الكلب بخطوات الاسد، واستشرت صيغ الفردانية المصابة بفوبيا "كل مين ايدو الو" وتعلقنا بخيوط الوهم في اتكائنا على "ماض تولى" كانت الحياة فيه رغيدة وهانئة، تبتسم لانتصاراتنا الوهمية التي لا تعد، ومنجزاتنا التي نحكيها لأبنائنا بفخر وامتنان لما كنا عليه، لا لما يجب ان نصيره.
تراجع كل شيء امام ناظرنا، ولم نفعل شيئا.
تمزقت لحمتنا ونحن صامتون.
رأينا الخطأ وسكتنا عنه.
جرتنا الحداثة الى صناديقها واغلقت علينا ابوابها، فلم نعد قادرين على الامتثال لها، أو تطويعها لتكون جزءا من بنائنا الحضاري والقيمي.
قتلنا القدوة؛ تلك التي يكمن في موقفها من الوجود حصن القيم، وجلسنا على مقاعدنا باسترخاء، دون ان نصنع حاضرا أو مستقبلا.
حتى الماضي، كيّفنا أحداثه بما يليق بلحظتنا التي قطعت الماء عن القيم، واغتسلنا بوهم اننا قادرون على تجاوز ما نحن فيه.
لماذا فعلنا هذا؟ لماذا؟