ذكرى الهجرة النبوية.. رسائل وعبر وإحياء للمشاعر الروحانية

figuur-i
figuur-i

تغريد السعايدة

عمان - ذكرى الهجرة النبوية، كما في كل عام؛ تحيي في النفوس تاريخاً مفصلياً للأمة الإسلامية والعربية، التاريخ الذي انتقلت فيه الأمة إلى التأسيس والتنظيم في ترسيخ مفاهيم الدول، ولتبث رسائل محبة وتآخ وتقبل، ليحتفي بها المسلمون في كل مرة بطريقتهم في التعبير.اضافة اعلان
يحاكي الاحتفال أو التذكير بهذه المناسبة، والتي تصادف بداية العام 1442 هجري، في كل عام مشاعر المسلمين الذين يحيون محبتهم للنبي عليه السلام، والفخر بتاريخ مجيد للأمة الإسلامية، والتي تظهر من خلال عبارات التهنئة، والتي تبدو جلية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، التي باتت الساحة المتاحة في التعبير عن تلك المشاعر الروحانية.
كما تبدو مظاهر الفرح والاحتفال بهذه المناسبة من خلال عدة فعاليات على المستوى الرسمي والأهلي والمجتمعي، والتي تتمثل بإعلان الحكومة يوم الهجرة النبوية عطلة رسمية لمختلف المؤسسات العاملة في المملكة، إضافة إلى صور احتفالية أخرى، قد تؤثر جائحة كورونا لهذا العام على بعض مظاهرها، كما تقول أسماء أحمد.
أسماء ربة منزل، إلا أنها تقوم في كل عام مع صديقاتها وجاراتها بتنظيم احتفالية متواضعة في المسجد تعبيرا عن أهمية هذا المناسبة المهمة، حيث الأجواء التي تتميز بالذكرى العطرة للهجرة النبوية، والتي تقوم السيدات عادة بعمل فقرات بسيطة يشارك فيها الأطفال، ويتم توزيع بعض الكتيبات الصغيرة، وبعض من الحلوى، حتى تبعث الفرحة في النفوس.
بيد أن أسماء تؤكد "اختصار" تلك الاحتفالية لهذا العام في المسجد، كون الإجراءات تتطلب التباعد والحد من التجمعات مهما كانت، لذا، تنوي لهذا العام أن تحيي هذه الذكرى في بيتها فقط، وتقتصر على عائلتها، وذلك من خلال توزيع حلوى على الجيران، والمحافظة على احياء ذكرى الهجرة لدى أطفالها.
أستاذ الفقه والدراسات الإسلامية الدكتور منذر زيتون يتحدث عن هذه المناسبة بأن "الذكرى السنوية للهجرة النبوية التي انتقل فيها النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من مكة المكرمة المكان الذي ولد فيه وعاش وألفه وأحبه إلى المدينة المنورة ذات البيئة الجديدة عليه بكل مكوناتها ليعلن فيها تأسيس دولة جديدة فريدة من نوعها في التاريخ الإنساني لأنها قامت على ثلاث دعائم لم يشهد التاريخ اجتماعها معا، وهي: الدين والمواطنة والعدل".
ويضيف زيتون بأن معايشتنا هذه المناسبة الكريمة مرة بعد مرة، تذكرنا بما علينا من واجبات هدانا إليه رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم من خلال هجرته الشريفة وهي، ومن أبرز تلك الواجبات هي "الحرص على تطبيق شرع الله تعالى لإشاعة السلم والطمأنينة بين البشر، كما في قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً".
كما أن الواجب يُحتم علينا بحسب زيتون أن نعمل ونجتهد في بناء الوطن على مبدأ المواطنة، وهي من الدورس التي تحثنا عليها الهجرة النبوية، بما يعني مساواة الناس كلهم من غير تفريق بينهم لجنس أو أصل أو عرق أو دين أو مذهب، فالله تعالى كرم بني آدم جميعاً فقال (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ)، ولم يقصر الكرامة على مسلم أو مؤمن.
وتبين الدراسات الإسلامية أن أبرز نتائج هجرة الرسول إلى المدينة كانت في إقامة الدولة والمجتمع المسلم، وتنظيمه، وإزالة الفوارق بين ابناء المجتمع الواحد، وهو ما أشار إليه زيتون من أن الهجرة النبوية التي نعيش ذكراها اليوم كانت قد مكنت الرسول عليه السلام وصحابته من زيل الفوارق بين الناس، وتمنع الإفساد في الأرض، من إقامة دولة تقيم الحق ومحاربة الباطل.
وفي خضم كل تلك الدروس والعبر، تبقى لهذه المناسبة حضورها البارز في مختلف المجتمعات الإسلامية، وفق عبلة جرادات، وتقول بهذه المناسبة أنها ما زالت تستذكر الكثير من الفعاليات التي كانت تقام في المدراس والمساجد، وحتى خلال دراستها في الجامعة، والتي كانت من شأنها أن تُظهر الإبتهاج بمناسبة رأس السنة الهجرية في كل عام، إلا أنها تلاشت بعض الشيء خلال هذه الفترة، وبرزت تلك المظاهر عبر مواقع التواصل الاجتماعي من خلال تبادل التهاني بشكل عام.
وتقول عبله أنها ترغب دائما بوجود مظاهر إحتفاليه بهذه المناسبة، كونها لها علاقة بتاريخ العرب والمسلمين، وتؤكد على محبة الرسول عليه السلام الذي هاجر وعانى في دعوته، حتى وصل إلى تأسيس دولة إسلامية قوية متكاملة بعد الهجر، وهذا أمر يدعو للفخر بتاريخ أمتنا على مر العصور.
وهنا يؤكد زيتون على أن الهجرة البنوية التي يجب علينا إحياء سيرتها بين مختلف الأجيال، كانت سبباً في إشاعة العدل بين الناس ولو على كره لهم أو خلاف معهم لأن العدل يجب أن يسمو ويعلو على الجميع، وقد قال الله تعالى (وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَىٰ أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَىٰ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)، وهذا يقتضي أن يقيم الإنسان العدل ولو على نفسه أو على والديه أو أقربائه.
ومن شأن هذه المناسبة الكريمة، وفق زيتون أن تذكرنا أيضاً بما علينا فعله من هجر المعاصي والذنوب إلى الطاعة، فالهجرة ليست فقط الانتقال من مكان إلى مكان، وإنما أيضاً الانتقال من حال إلى حال، بما يمكن الإنسان من بداية جديدة طيبة يتخلص بها مما لا يرضيه إلى ما يجد في سعادته.