ذكر الحقائق عن إسرائيل/ فلسطين

جرافة إسرائيلية تهدم بيت أحد الفلسطينيين - (أرشيفية)
جرافة إسرائيلية تهدم بيت أحد الفلسطينيين - (أرشيفية)

(ميدل إيست أونلاين)
لورنس دافيدسون    29/10/2012

ترجمة: عبدالرحمن الحسيني

اضافة اعلان

يوم 16 تشرين الأول (اكتوبر)، استضافت المنظمة الإسرائيلية "يازكيرن" عشرات من المحاربين الإسرائيليين القدامى من "حرب الاستقلال" في العام 1948، لإلقاء نظرة على ما انطوى عليه ذلك الكفاح فعلاً. وقد شهد المخضرمون بما يمكن وصفه بأنه جهد لإراحة الضمير حول مسألة التطهير العرقي - التدمير المنهجي لقرى فلسطينية برمتها وارتكاب العديد من المجازر.
وكان الهدف من جهد "يازكيرن" لقول الحقيقة هو النفاذ من خلال "السرد القومي للاتجاه السائد" الخاص بالعام 1948، والإنكار المصاحب لأي سرد فلسطيني شرعي مضاد. وثمة فيلم وثائقي للصحفية الإسرائيلية الروسية ليا تارا، يبحث في نفس هذا الموضوع: النكبة أو الكارثة الفلسطينية، على وشك الاستكمال راهناً. ويضم هذا الفيلم أيضاً شهادات لجنود إسرائيليين عن حرب العام 1948.
وتمنح هذه التكشفات الأحدث المصداقية لادعاءات "المؤرخين الجدد" في إسرائيل، مثل أيلان بابي، الذي وضع كتباً استندت إلى دليلٍ خرج من أرشيف الحكومة، والذي يظهر أن السلطات الصهيونية كانت قد خططت لعمليات تطهير عرقي بأقصى قدر ممكن لغير اليهود في فلسطين، حتى قبل اندلاع الأعمال العدوانية التي أفضت إلى خلق دولة إسرائيل.
قد يقول المرء: حسناً، لقد تصرف الإسرائيليون بوحشية في العام 1948 —بينما تقر بذلك أقلية صغيرة وحسب. ولكن، ماذا بخصوص ما بعد حرب الاستقلال؟ كما يتبين، لم يتوقف التطهير العرقي أبداً. وعلى نحو مناسب، ساعد الإنكار الطويل لحقيقة بدء التطهير العرقي أولاً على إخفاء حقيقة أنه مستمر.
ومؤخراً وحسب، تلقينا الأخبار بأن وزير الدفاع، إيهود باراك، أعطى الأمر بهدم ثماني قرى فلسطينية تؤوي 1500 فلسطيني في تلال الخليل الجنوبية. أما المسوغ الذي قدمه باراك، فهو أن الحاجة تمس للأرض من أجل إجراء تدريبات عسكرية عليها. ووفق "المؤرخين الجدد" فإن هذا هو الغطاء المعياري الذي تقدمه الحكومة الإسرائيلية لعمليات التطهير العرقي. ومن المؤكد أن الجيش الإسرائيلي سيستخدم الأرض التي كانت عليها القرى المدمرة لمدة عامين. ثم، وعلى نحو محتم، ستصبح المنطقة موقعاً للاستيطان اليهودي الإسرائيلي.
يوم 20 تشرين الأول (أكتوبر)، ذكرت فضائية "الجزيرة" أن وثائق إسرائيلية تظهر أن الجيش الإسرائيلي سمح بين العامين 2008 و2010 بإدخال إمدادات غذائية إلى قطاع غزة، مستندة إلى احتساب السعرات الحرارية اليومية التي تحدد الوجبة الأساسية لـ1.5ـ مليون فلسطيني (في القطاع) عند نقطة قريبة وحسب من نقطة سوء التغذية.
ووفق منظمة حقوق الإنسان الإسرائيلية "غيشا" المركز القانوني لحرية الحركة، فإن "الهدف الرسمي من هذه السياسة كان شن حرب اقتصادية، من شأنها أن تشل اقتصاد غزة -وطبقاً لوزارة الدفاع، خلق ضغط على حكومة حماس". ومن الناحية الفعلية، فإن هذه الجزئية من الوحشية تسبق العام 2008.
وراء في العام 2006، قال دوف فايزغلاس الذي كان آنذاك مستشاراً لرئيس الوزراء في حينه، أرييل شارون، إن "الفكرة تكمن في وضع الفلسطينيين على نظام حمية، دون أن يعني ذلك جعلهم يموتون جوعاً." ومن الطبيعي إيجاد سوابق لهذا الإجراء في معاملة اليهود الأوروبيين في ثلاثينيات وأربعينيات القرن الماضي. ويفترض المرء أن السيد فايزغلاس كان واعيا لهذا الأمر.
ومع ذلك، وتماماً مثلما مورست البربرية في "حرب الاستقلال"، ثمة في هذه الحالة أيضاً مجال جيد للإنكار القومي. ووفق جدعون ليفي الذي يكتب في صحيفة هآرتس الإسرائيلية، فإن "لدى البلد العديد من الطرق.. لدفن الهياكل عميقاً في المرحاض بحيث لا يترتب أن ينزعج الإسرائيليون أكثر مما ينبغي".
لقد عمل المؤلفون العسكريون للوثيقة التي أحالت "فكرة" فايزغلاس إلى ممارسة وحشية، في بلد مصاب بالعمى. وليس أدل على ذلك من أن الحكومة الإسرائيلية الراهنة لا تعبأ بعدم الارتياح الشعبي من حقيقة أنها تدم، ببطء وعلى نحو أكيد، نظام الصرف الصحي في غزة، وتجعل من المياه في القطاع غير قابلة للشرب.
ثم، هناك أعمال خسيسة من الوحشية التي يمكن اعتبارها إمارات دالة على الوحشية الكامنة. وعلى سبيل المثال، ثمة حقيقة أن مسؤولي الجمارك الإسرائيليين أوقفوا أوراق الامتحان الخاصة بامتحانات مجلس الكلية لشهر تشرين الأول من العام 2012، والتي كانت مرسلة لخريجي المدارس الثانوية في الضفة الغربية.
وأكدت منظمة "أميديست" التي تقوم بمهمة الوكالة التي تدير الاختبارات في المناطق الفلسطينية، أن السلطات الإسرائيلية كانت قد تسلمت الاختبارات مقدماً قبل أسابيع. وعلى الرغم من ذلك، وفي إجراء واضح من حب الانتقام، احتفظ مسؤولو الجمارك الإسرائيليون بأوراق الاختبارات حتى اضطرت "أميديست" إلى إلغاء الاختبارات.
كما أثار أحد المراقبين السؤال: "ما هي علاقة الاختبارات بالأمن الإسرائيلي؟"، حسناً قد يكون ذلك، وفقاً لتفكير مسؤولي الجمارك الإسرائيليين، أنه كلما كان هناك المزيد من الفلسطينيين الذين يتوجهون إلى الجامعات من الأراضي المحتلة، كلما كان هناك شهود أكثر فضحاً على القمع الإسرائيلي.
وفي جانب غزة من المعادلة، اضطرت الولايات المتحدة إلى إلغاء برنامج بعثات دراسية صغير لطلبة جامعة غزة، لأن الإسرائيليين رفضوا السماح للطلبة بمغادرة السجن المفتوح، حتى لو كان ذلك للذهاب إلى جامعة في الضفة الغربية. ولأي شخص يرغب في متابعة المسيرة القاتمة للتصرفات القمعية الإسرائيلية على أساس يومي، فإنني أوصي بزيارة الموقع العنكبوتي: "توداي إن بالستاين".
التحدي والإنكار
أمام هذا السلوك من جانب إسرائيل، شرع الدعم الشعبي لذلك البلد في الولايات المتحدة بالخفوت أخيراً. وأحدث ما في هذا الأمر أن 15 من قادة الكنائس المرموقين الذين يمثلون الطوائف المسيحية الرئيسية، وجهوا رسالة مفتوحة إلى الكونغرس يدعون فيها إلى "إجراء تحقيق فوري في انتهاكات محتملة من جانب إسرائيل لقانون المساعدات الأجنبية الأميركية ولقانون الرقابة على صادرات الأسلحة الأميركية، والذي يحظر على التوالي تقديم المساعدات لأي بلد ينخرط في نمط متلازم من انتهاكات حقوق الإنسان... إننا نحث الكونغرس على عقد جلسات استماع لفحص تقيد إسرائيل، كما نطالب بالإبلاغ المنتظم عن التقيد ووقف المساعدات العسكرية بسبب عدم التقيد".
 ولحد الآن، يعير الكونغرس آذاناً صماء لهذا المطلب، لكن رد الفعل الصهيوني كان عالياً وواضحاً. وقد تولى القيادة في هذا الجهد رئيس العصبة العادية للتشهير، المدعوة باسم مغلوط، أبراهام فوكسمان. ومتهماً القادة المسيحيين بـ"الافتقار المفضوح للحساسية" (قد يتساءل المرء كيف يمكن لشخص حساس أن يكون مستبداً؟) قرر فوكسمان معاقبة رجال الدين من خلال رفض الانخراط في "حوار الأديان" المتواصل.
أحياناً، يكون التوافر على "أدمغة كبيرة" سلاحاً ذا حدين بالنسبة لبني البشر. وهذا يعني أننا نستطيع التفكير بكل الطرق الخاصة بالإبداع الفكري، وحتى ممارسة ضبط النفس على حوافزنا غير المناسبة إذا اهتممنا بالمحاولة. ومع ذلك، فإنه يعني أنه يمكن التلاعب بنا من خلال جرنا إلى التفكير بأننا لا نستطيع التفكير بأننا لسنا في حاجة إلى المحاولة -وأننا الضحايا حتى لو كنا نحن الذين نقمع الآخرين، وأن أي انتقاد لممارساتنا هو مثال آخر على تصويرنا كضحايا.
تمثل الثقافة الإسرائيلية -وفي الحقيقة الثقافة الصهيونية عموماً- مشروعا متواصلاً للتلاعب، بالذات لتحقيق مجرد هذه الحالة الذهنية. وقد نجحت في ذلك إلى حد بعيد. ويظهر استطلاع حديث أجري في إسرائيل أن "غالبية من الشعب (الإسرائيلي اليهودي) يريدون من الدولة التمييز ضد الفلسطينيين.. ما يعكس عنصرية متجذرة عميقاً في المجتمع الإسرائيلي."
 وليس الصهاينة هم الخبراء الوحيدون في الإنكار والجحود، فالولايات المتحدة التي تعتبر الحليف الرئيس لإسرائيل تظل بارعة في هذه المقامرة أيضاً. وبعد هجمات 11/9، أصبح أي اعتبار لاحتمال أن تكون السياسة الخارجية للولايات المتحدة في الشرق الأوسط قد ساعدت في دفع الإرهاب بمثابة أمر محرم -وما تزال كذلك حتى بعد مرور عقد من الزمن.
وبدلاً من إلقاء نظرة صارمة على سلوكنا الخاص، ترانا ببساطة نمدد قدرتنا على قتل أي شخص يجسر على تحدي سياساتنا بطريقة عنيفة، فيكون جوابنا عمليات القتل المستهدفة بواسطة الطائرات من دون طيار أو بغيرها. وذلك نزر يسير من الوحشية التي استقيناها من الإسرائيليين.
كان ميكيافيللي، الذي يمكن الاعتماد عليه دائماً لمشاهدة الجانب الأكثر قتامة من الأشياء، قد قال ذات مرة: "على من يرغب في استشراف المستقبل أن يستشير الماضي، لأن الحوادث البشرية تشابه تلك التي حدثت في الأزمنة السابقة. وهذا ينشأ من حقيقة أنها من إنتاج رجال كانوا على الدوام وسيظلون منطوين على نفس الأحاسيس، وهكذا ترى أنهم يحصلون بالضرورة على نفس النتائج." ولكن، هل تكون هذه الفكرة حتمية فعلاً؟
*أستاذ التاريخ في جامعة ويست تشيستر في بنسلفانيا. وهو مؤلف كتاب: "شركة السياسة الخارجية." و"خصخصة مصالح أميركا القومية"، "أحاسيس شعبية ورسمية من بلفور وحتى الدولة الإسرائيلية"، و"النزعة الإسلامية المتشددة".

*نشرت هذه القراءة تحت عنوان
 Telling Truths about
 Israel- Palestine

[email protected]