ذوبان الثروات والضمانات

لا حاجة للقول إن تراجع أسعار الأسهم في بورصة عمان وصل إلى حدود مؤلمة، لكن ما يعنيني هنا بعض آثار هذا التراجع على ثروات المواطنين ومحافظ البنوك والإيرادات العامة وانعكاس ذلك على قطاعات اقتصادية مؤثرة أخرى.

اضافة اعلان

لقد جاءت أرقام النمو الاقتصادي حتى الآن دون توقعات صانع القرار الاقتصادي، وهو أمر متوقع كنتيجة لمحاولة الحكومة السيطرة على عجز الموازنة بتخفيض الإنفاق الرأسمالي الذي سيجر نتائجه على مجمل الوضع الاقتصادي خلال الفترة المقبلة.

فعندما تنسحب من السوق مشاريع الحكومة في قطاعات النقل والإنشاءات والطرق وغيرها، فإن ذلك يرخي بظلاله على نشاط القطاع الخاص أيضا الذي اعتاد أن تكون مشاريع الحكومة مشغله الرئيسي، ما يدفع نموه إلى التراجع.

وبدأنا نرى مؤشراته في قطاع الإنشاءات والمقاولات وانخفاض الطلب على الإسمنت والحديد، وتراجع الطلب على القطاع العمراني الإسكاني. في نفس الوقت نرصد تواضع النشاط التجاري وجمود قطاع الأراضي الذي لم يحركه حتى الآن قرار الحكومة بتخفيض رسوم التسجيل.

وتتوالى الحلقات؛ فإنفاق المواطن سيكون أكثر رشدا بعد القرارات الحكومية الأخيرة وارتفاع معدل التضخم وتراجع قيم استثماراته في بورصة عمان وكذلك عوائدها.

وتمتد الحلقة لتصل إلى ميزانيات الشركات التي رأينا تواضع توزيعاتها النقدية وانخفاض نتائج أعمالها، ونتابع لنرى تراجع نتائج أعمالها عن النصف الأول من العام، ما يقلل عوائد الخزينة على أرباحها.

وليس سرا أن الكثير من البنوك منحت لشركات وأفراد قروضا بضمانة أسهم وأراض، ما نتوقع أن يظهر ارتفاع حجم القروض المصرفية التي يعجز فيها المقترضون عن خدمة دينهم، إضافة إلى تراجع قيمة ضمانات هذه القروض في محفظة البنوك المانحة، ما يضطرها إلى تجنيب المزيد من أرباحها كمخصصات لهذه القروض، وتراجع توزيعاتها النقدية ثانية وتراجع إيرادات الخزينة من ضريبة أرباحها.

انقضى قرابة العامين على الأزمة الاقتصادية العالمية، بينما صوت مجموعات العالم وكتله الاقتصادية يعلو اختلافا حول أسلوب علاجها، هذا بينما يرتفع محليا الغطاء عن الكثيرين أفرادا وشركات وقطاعات اقتصادية بدأت تجر بعضها الواحد تلو الآخر.

أشفق على المواطن المدخر الذي يرى مدخراته تذوب وتتآكل قيمتها، كما أشفق على الحكومة وهي تحاول أن ترتقها من جانب لتفلت من بين يديها من جانب آخر، ليعلو صراخ الطرفين من وقع الألم، لتتفاعل الحلقات ثانية لتخفّض إيرادات الحكومة وتقلل من قدرتها على ضبط عجزها ومديونيتها.

ليست صورة سوداوية، لكنها صورة تتطلب من صانع القرار الاقتصادي أن يستعد بخطط مواجهة جادّة غير فرض المزيد من الضرائب، قبل أن تجد البنوك نفسها تمسكا بضمانات لا تساوي ربع قروضها لمقترضين عاجزين عن السداد يملكون أصولا تذوب قيمتها، وإيرادات حكومية تعجز عن تلبية سخاء الإنفاق، مصحوب بالطبع بحدود لقدرة الحكومة على فرض الضرائب وحدود لقدرة المواطن على دفعها.

[email protected]