ذوو إعاقة يكشفون عن إبداعاتهم ومهاراتهم الحرفية

المشاريع المشاركة ببرنامج (فريقي) لذوي الاعاقة - (من المصدر)
المشاريع المشاركة ببرنامج (فريقي) لذوي الاعاقة - (من المصدر)

إسراء الردايدة

عمان- يتحول الإنجاز لثورة وإرادة وقوة وحياة وعالم أكثر إشراقا في عيون ذوي إعاقة، أثبتوا أن عزلتهم لم تقف عائقا أمام تحقيق ما يصبون اليه.
أطفال وشباب من ذوي الإعاقة العقلية والمتوسطة، كشفوا أن النصر لا يرتبط بربح أو خسارة بقدر ما هو مرتبط بتحقيق الذات وتنمية القدرات التي تعكس الرغبة في التميز وكسر كل الحواجز من أجل الاندماج في المجتمع. عبروا عن ذلك بمشاريع عملية تجعل منهم أفرادا منتجين قادرين على مواجهة الحياة.
10 مشاريع يدوية شاركت ضمن برنامج “فريقي” من مؤسسة “إنجاز”، حملت مهارات حرفية بأنامل شباب من ذوي الإعاقة العقلية، متميزين ومبدعين، جاؤوا من مراكز لرعاية ذوي الإعاقة والتربية الخاصة في مختلف أرجاء المملكة. البرنامج كان موجها للشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و19 عاما، ولكل مشروع ثيمته الخاصة، تحفز الفريق على بناء علاقة وثيقة بين بعضهم بعضا وبين محيطهم وبين المتطوعين والمدربين.
وخضعت هذه المشاريع لتقييم من لجنة التحكيم الأربعاء الماضي، في مركز هيا الثقافي بتنظيم من شركة “إنجاز”، وتألفت اللجنة من أربعة أعضاء كان دورها تقييم المشاريع من خلال مواصفات العرض والأداء الإجمالي للمشروع والمستقبل المتوقع لها، فضلا عن أثر منصات العرض على الزائر، وفكرة المنتج وروح الفريق والقدرة على البيع والمعرفة بالمنتج، وقدرة الطلبة على العمل بشكل مستقبل لتحدد من الفائز.
وتكونت لجنة تحكيم المشاريع، من مديرة تحرير دائرة “حياتنا” في صحيفة “الغد” فريهان الحسن، ومديرة المركز السعودي للكفيفات اناس بن طائف، ومنى حلاوة، ومديرة الموارد البشرية في مجموعة “قعوار” هند بقلة.
المشغولات الناتجة عن هذه المشاريع تحمل أفكارا بسيطة في بعضها، وأخرى كانت لافتة للنظر تتناسب وقدرات هؤلاء الشباب، وحاجة المجتمع لمثل هذه السلع، وتحفيزهم أن يكونوا أعضاء فاعلين في المجتمع.
هذه المشاريع التي طبقت في برنامج “فريقي” الذي انطلق للمرة الأولى في العام 2012، تقع في إطار زمني بين 8 و20 أسبوعا، وتزيد المدة أحيانا؛ حيث يتاح للمشاركين فيها تأسيس شركتهم الخاصة، ويخضعون فيها لجلسات أسبوعية، يحدد فيها المنتج والخدمة التي سيقدمونها، وبعدها يباشرون فيها قبل أن تعرض للجمهور، وذلك بعد تقييم عام لهم ومدى الأرباح التي حققوها.
أما الشباب المشاركون وباختلاف أعمارهم ودرجات الإعاقة لديهم، فكانت إسهاماتهم وتفاعلهم مع الجهور واضحا رغم خجلهم أحيانا، لكن عيونهم كانت تشع بالأمل والفرح لتواجد الكثير معهم وسط الدعم والمساندة.
التفاعل بين المتطوع والفريق ركز على تحفيز هذه الفئة لصقل مهاراتها وإخراجها من عزلتها، فضلا عن تزويدها بمهارة تنفعها مستقبلا وتدر عليها دخلا. لكن الهدف الأسمى هو الدروس التي تعلمها كلا الطرفين، بحسب المدربة وفاء هباهبة من مركز سمو الأميرة بسمة لرعاية ذوي الاحتياجات الخاصة في الزرقاء والمشاركة في مشروع “شركة البسمة” مع المتطوعة هيفا عوض الله القريوتي.
وتبين هباهبة أن ما تعلمه الفريق المكون من 12 شابا وشابة هو صناعة براويز مدورة من مواد متوفرة في المحيط لغايات تدويرية من جهة وإعادة استخدامها من جهة أخرى، لتمنح المشاركين فرصة لتعزيز ثقتهم بنفسهم، وتطوير مهارات الاتصال التي وقفت أمامها عوائق مختلفة مثل ضيق الوقت والحاجة لفتح قنوات تسويقية، فضلا عن صعوبة التعامل مع هذه الفئة.
أما المشاركون في مشروع “السلام” من مركز سيدة السلام للأشخاص ذوي الإعاقة من العقبة، فكان مشروعهم “المكرميات” للنباتات والزهور، بإشراف أخصائية النطق لينا الجيلاني والمتطوعة هيام زيدان. مشاركتهم وفرت لهم فرصة للتعامل مع قدراتهم العقلية؛ حيث إن غالبية الفريق يعاني من إعاقة حركية بدرجات بسيطة ومتوسطة، و”المكرميات” أتاحت لهؤلاء الطلبة تعلم مهارة جديدة من خلال بناء قدراتهم الحركية والجسدية وتوازنهما معا.
ومن المشاركات في هذا المشروع نور، التي قامت بصناعة أكبر مكرمية بخيوط بيضاء واختارت لونها بنفسها، ووسط خجل شديد كان بريق الفرح ظاهرا في عينيها، ولم تفارقها ابتسامة النصر والفخر بما حققته، رغم الصعوبة التي واجهتها لم يمنعها ذلك من التحدث بصوت منخفض عما تعلمته، قائلة “اخترت اللون بنفسي لأنني أحب اللون الأبيض” فيما تشرح بحركات بسيطة كيف تقوم بثني الخيوط وربطها ببعضها بعضا.
أما مشروع “أنا بينكم”، الذي فاز بالمرتبة الأولى في المسابقة التابعة لمركز العقبة الشامل للتربية الخاصة، فكان عن قطع الفسيفساء التي أخذت أشكالا مختلفة، وأشرف على الفريق هيام زيدان كمتطوعة وحنان المشاعلة كأخصائية للقدرات العقلية من المركز.
وبحسب زيدان، فإن الفكرة بحد ذاتها لم تكن سهلة، فهي تشمل استخدام أحجار صغيرة لصنع لوحات وميداليات وجداريات فسيفسائية، تتم صناعتها بدقة، وتعد سلعة مطلوبة ولاقت رواجا وحققت ربحا كبيرا.
وعن المهارات التي استفاد منها المشاركون جميعا، فقد شملت التغلب على حاجز الخجل والعمل بروح الفريق، وتوفير مصدر دخل لعدد كبير من المشاركين في الفريق الواحد.
وفاز بالمركز الثاني فريق “شركة المحبة للمفارش الصوفية”، من مركز بدوة للتربية الخاصة بإشراف المتطوعة رهام القسوس ومشاركة كل من المعلمتين غفران السمهوري وسهير طبازة.
والمشروع، الذي شارك به 10 طلاب يعانون من إعاقات عقلية جسدية وصعوبات شديدة من التعلم، شمل صناعة مفارش صوفية من خلال استخدام النول الخشبي بإشراف من المدرب مباشرة.
وحل في المركز الثالث فريق “شركة إدراك” التابع لمؤسسة “إدراك” للتربية الخاصة في عمان، بإشراف المتطوعة بيان أيوب، والمنتج يشكل زجاجات تزينها خيوط الخيش وصناديق ذهبية منوعة، بمشاركة 12 طالبا.
وعن هذه المشاريع والبرامج ودورها في دمج ذوي الإعاقة في المجتمع، بين المدير التنفيذي لوحدة الشراكات في مؤسسة “إنجاز”، مهند الجراح، لـ”الغد”، أن مثل هذه البرامج الريادية خصوصا لهذه الفئة تسعى إلى دمجهم بالمجتمع وتحفيز قدراتهم، وزيادة مهارات التواصل الاجتماعي مع المحيط، والتي جاءت هذا العام بدعم من السفارة الأسترالية للبرنامج.
وأضاف الجراح أن برنامج “فريقي” يركز على بناء رابط بين مجموعة من المتطوعين والمعلمين واليافعين من هذه الفئة؛ حيث يؤثّرون في بعضهم بعضا من أجل النّجاح في العمل الذي يقومون به وتوطيد الثّقة في نفوسهم، وزيادة القابليّة والطموح لتحقيق النّجاح وفتح أبواب جديدة للعمل في ظروف اقتصاديّة سريعة التغيّر.
ويعتبر الجراح أن هذا البرنامج يفيد كلا الطرفين؛ حيث يتعلم القائمون على البرنامج ويطورون من خلالها بعض المهارات المستخدَمة في التدريب المهني، فهو برنامج مصمّم لتطوير مهارات المشاركين الاجتماعيّة والتمتّع بالخوض في خبرة الحياة؛ حيث تمّ تصميمه ليتماشى مع احتياجات أولئك المشاركين الخاصّة التي تحتاج لدعم كبير، ومن جهة أخرى، فإنّ البرنامج يُتيح للطلبة فرصة العمل مع متطوّعين من مختلف الخبرات والثّقافات.
أما بقية المشاريع فكانت أيضا ذات أشغال يدوية منها مشروع “شركة الخالدية للأشغال اليدوية” من جمعية الخالدية للتربية الخاصة بإشراف من المتطوع علي قسيم الخوالدة. وفيها تعلم الطلبة البالغ عددهم 8 صنع سلال وصناديق للحلويات بألوان زاهية ومرايا تزينها الخيوط الملونة.
فيما قدم مشروع “فنون الأمل للأشغال اليدوية” من مركز الأمل للتربية الخاصة، بمشاركة تسعة طلاب عملوا على استخدام رولات القصدير و”المحارم الورقية” لصناعة مقالم وأشكال متعددة بعد تغليفها بالخيش.
وتم مشروع “شركة الرازي لإعادة التدوير” من مركز الرازي للتربية الخاصة، بمشاركة متطوعتين من “إنجاز” وهما خولة العرقسوسي وزينب التميمي، وتمثل بصناعة منتجات عملية بعد إعادة تدويرها لتكون صديقة للبيئة مثل حوامل للورق الصحي وأشكال مغناطيسية، مصنعة من عجينة الورق والتي شارك بها 11 طالبا وطالبة من ذوي الإعاقات العقلية البسيطة والمتوسطة والشلل الدماغي وحالات التوحد أيضا.
وركز مشروع “ورود الشمال” لمركز التأهيل المجتمعي للمعاقين في إربد، على صناعة قوالب جبسية بأشكال مختلفة وتلوينها بتناسق بصري وحركي، بمشاركة 7 طلاب بإشراف المتطوعة سناء بطاينة.
أما “شركة الابداع” من جمعية رعاية الطفل المعاق الخيرية في إربد، فقدمت منتوجاتها بمشاركة المتطوعة د. هبة شلختي و15 طالبا من المركز، وكان مشروعهم هو صناعة أشكال خزفية بأحجام مختلفة وتلوينها تمثل مختلف المناطق السياحية والأثرية.
هذه المشاريع كلها انطلقت بميزانية بلغت 100 دينار، توجب على كل مشروع توزيعها وإدارتها بطريقة لتلبي احتاجته وتحقق ربحا ولو بسيطا من خلال اختيار فكرة مستدامة توفر دخلا وعملا لهم وتنمي مهاراتهم والقدرات التي يمتلكونها رغم إعاقاتهم المختلفة، فكانت تلك البرامج دافعا لبناء مستقبل زاهر لهم بالاعتماد على أنفسهم.

اضافة اعلان

[email protected]