رأي في تصنيف حماس..!

يمكن أن يجد المنتقدون الكثير من الأشياء ليتحدثوا عنها في تكوين حماس وأدائها. العلمانيون سيقولون إنها حركة تقوم بتسييس الدين، وسيتعقبون أصولها إلى الإخوان المسلمين. وسيقول جماعة السلطة الفلسطينية إنها نفّذت انقلاباً دموياً وانتزعت السلطة في غزة بشكل غير مشروع. وسيقول عسكر المقاومة إنها تراجعت عن برنامج المقاومة الذي أكسبها الشرعية، وتحولت إلى نظام حكم سلطوي متشبث بالسلطة. وسيراها البعض جزءاً من ظاهرة الفصائلية البغيضة في التجربة الفلسطينية، حيث التنافس وتضارب الأجندات يضيعان البوصلة النضالية. وسينتقد البعض فرضها نسخة متشددة من القانون الديني في مناطق حكمها، وعملها كنظام ثيوقراطي نمطي.اضافة اعلان
كل واحدة من هذه النظرات يمكن أن تعرض مبرراتها. أما تصنيف حماس بالإرهاب، كما فعل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة المعاديان للقضية الفلسطينية، فشأن يشير إلى وجهات موحشة. إنها في النهاية حركة وطنية فلسطينية تعمل على أرضها وضد الاحتلال بشكل أساسي. وكان السبب الذي صنفها الغرب إرهابية على أساسه هو إلحاقها ضرراً بكيان الاحتلال. وبرر الغرب تصنيفه للحركة بأنها تستهدف "المدنيين الإسرائيليين" وليس أي أحد آخر.
ليس تصنيف الغرب لحماس على هذا الأساس نزيهاً بوضوح، لأنه يفشل بوقاحة في إدانة إرهاب الدولة الوحشي الذي يمارسه كيان الاحتلال ضد المدنيين الفلسطينيين كل الوقت، وبكمٍّ ونوع لا تمكن مقارنته بعمل حماس ولا غيرها. وفي حين يصفون قتل كيان الاحتلال آلاف الفلسطينيين العزل بأنه "دفاع مشروع عن النفس"، فإنهم لا يعتبرون إيقاع حماس عدداً محدوداً من القتلى في صراعات عسكرية غير متكافئة –معظمهم عسكريون- دفاعاً مشروعاً عن النفس! وينبغي أن لا تحتاج المفارقة في ذلك إلى إيضاح.
كما يشير الرافضون لفكرة تجريم الحركة،  أن حماس لم تنفذ عمليات عسكرية خارج فلسطين التاريخية، وضد أهداف غير الاحتلال. كما أن من الصعب تصور قدرة لديها على رعاية مؤامرات أو تنفيذ انقلابات أو تكوين لوبيات والتدخل بقدر مؤثر في شؤون دول أخرى. وبالإضافة إلى ذلك، ومع كل أسباب الانتقاد التي يمكن تصورها، يجب تذكر أن حماس هي حركة وطنية فلسطينية. ولذلك يجب الحذر من الانجرار إلى وصف حركة فلسطينية تعمل في وطنها بأنها إرهابية، لأن ذلك يعني ضمنياً تجريم فكرة المقاومة الفلسطينية ككل وتجريد الفلسطينيين من حقهم المشروع في مقاومة الاحتلال بكل وأي وسيلة، حسب القانون الدولي.
في سياق التطورات الأخيرة، يتحدث معظم المراقبين عن نضوج المرحلة لتكثيف الضغوط على الفلسطينيين لتقديم المزيد من التنازلات. وتضج المنطقة بالمقدمات والتلميحات عن إنهاء الصراع وتطبيع "إسرائيل" في المنطقة، غالباً على حساب الفلسطينيين الذين سيكونون كبش الفداء النهائي لصراعات الإقليم. ويتطلب ذلك تحييد أي بقايا لصوت مقاومة في المعسكر الفلسطيني وتسييد "المعتدلين". لكن تجريم حماس وإقصاءها في هذه المرحلة يتجاهل ما اعتبره مراقبون تحولاً في برنامج الحركة إلى البراغماتية الواضحة، كما ظهر في إعلانها الجديد. وقد قبلت حماس بفكرة الدولة الفلسطينية على أراضي 67، وهو أساس فكرة "المعتدلين" والعرب والمجتمع الدولي.
مع أن هناك من يرون في ذلك تراجعاً غير محمود للحركة عن المطالبة بفلسطين التاريخية ورفض الاعتراف بشرعية الكيان، فإن إقصاء حماس من المشهد الفلسطيني جملة وتفصيلاً هو شأن غير عملي في الحد الأدني، لأنه يتجاهل الشريحة الكبيرة من الفلسطينيين التي تتماهي مع برنامجها. وربما كان بالوسع، في أداء أكثر ذكاء، استثمار "اعتدال" بعض الفلسطينيين و"تشدد" آخرين –بالمعنى الوطني وليس الديني- لإحداث الضغط الضروري على العدو لانتزاع تنازلات. لكن ذلك لا يحدث للأسف.
أياً يكن، يجب تذكر أن قرار الفلسطينيين من أي طرف مُختطف موضوعياً، لأنهم يحتاجون إلى الدعم والتمويل من طرف أو آخر مقابل رهن. وليس هذا اختياراً، وهو يفرض على الفصائل الفلسطينية تحالفات غير حصيفة غالباً، انطلاقاً من ضرورة البقاء. لكن التحالفات والأداء والبرنامج يمكن أن تبرر اتهام فصيل فلسطيني بأنه متخاذل، قمعي، ثيوقراطي، متشدد وأي وصف آخر، إلا الإرهاب ووضعه في خانة "داعش" وأمثاله، ما دام لا يستهدف أحداً خارج فلسطين، وينطلق من عقيدة مقاومة الاحتلال. ويعني خلاف ذلك التجني على الفلسطينيين بوصف مقاومتهم بالإرهاب وإضعاف قضيتهم. وهو شأن لا يمكن أن يخدم قضية نزيهة.