ربابعة: حسم بقاء النظام السوري لن يأتي من الجيش والحل يوجب تدخل طرف ثالث

عمّان - أكد عضو لجنة حقوق الإنسان في جامعة الدول العربية، وممثلها في وفد المراقبين العرب في سورية ، ورئيس مركز عدالة لحقوق الإنسان المحامي عاصم ربابعة، أن ما يحدث في سورية "أمر معقد جدا" ويختلف تماما عما حدث في كل من تونس ومصر وليبيا، بسبب التشعبات التي تحدث بفعل التدخلات الإقليمية، إضافة إلى أن الحكم السوري هو "حكم أسرة وليس طائفيا" كما يتجه كثيرون، فـ"هناك مجموعات من طوائف متعددة منتفعة من النظام السوري، وتحرص على المحافظة على مكاسبها".
وقال ربابعة في حوار مع "الغد"، "لو أن الوضع في سورية مثل مصر، بحيث يكون للجيش السطوة الرئيسية فيه لسقط بشار الأسد منذ وقت طويل، لكن المشكلة أن الدولة السورية هي دولة بوليسية، تعتمد على أفرعها الأمنية، التي يصعب أن تنشق عن النظام".
واعتبر أن تدويل الأزمة السورية سينتج "عراقا جديدا"، وإذا ما تم فتح باب التدخل الخارجي فإن اللاعبين السياسيين سيكونون كثرا في المسرح السوري، وسينعكس ذلك على عملية التحول الديمقراطي برمتها.
وأضاف ربابعة أن النظام قائم  على تعزيز أفرعه الأمنية، الأمر الذي انعكس على الجيش السوري، الذي يفتقد إلى الدعم والتطوير، وبالتالي فإن حسم بقاء النظام السوري لن يأتي من الجيش، ومن الصعب حدوث انشقاقات أمنية هناك.
وحول ملف المعتقلين السوريين، أشار ربابعة إلى أن هذا الملف شابته "مبالغة" كبيرة فيما يتعلق بالأعداد، إذ صرحت المعارضة بوجود 30 الف معتقل، بينما تحدث النظام عن وجود 10-15 ألف معتقل، والصورتان كان يسودهما التشكيك، الأمر الذي انعكس على دور البعثة ومهامها.
وتاليا نص الحوار:

اضافة اعلان

• عدت من سورية مؤخرا، بعد أن شاركت في وفد المراقبين العرب ممثلا للجنة حقوق الإنسان في جامعة الدول العربية، تحدث لنا عن تجربة الـ18 يوما التي قضيتها هناك، بينما كنت وزملاؤك تتقصون الحقائق لمعرفة حقيقة ما يحدث هناك على الأرض؟
- بدأنا اولا من مدينة حمص، حيث وصلتنا أخبار وتقارير من قبل المعارضة السورية تتحدث عن وجود قصف وعمليات عسكرية عنيفة في منطقة بابا عمرو. عندها زرنا حمص، وكذلك منطقة بابا عمرو، وباب السباع، وبالفعل وجدنا مظاهر عسكرية، حيث انتشرت الدبابات والحواجز العسكرية في هذه المناطق وبعض الأحياء السكنية الاخرى.
كما اكتشفنا خلال زيارتنا لهذه المناطق ان السكان فيها يعانون من عدم توفر الاحتياجات الإنسانية الأساسية من ماء وكهرباء، إضافة إلى وجود مكاره صحية في بعض المناطق.
وشاهدنا خلال جولاتنا وزياراتنا للمناطق في مدينة حمص، آثار إطلاق نار واضحا على البنايات حتى في بعض دور العبادة، إضافة إلى آثار قذائف الآر بي جي.
حتى حركة الناس في تلك المناطق كانت في نطاق محدود، لا سيما وان بعض الشوارع نصبت فيها حواجز عسكرية، وبالتالي فإن تحرك الناس هناك يشكل خطرا على حياتهم، نظرا لإطلاق النار من قبل المعارضة على الموالين للنظام المتواجدين عند تلك الحواجز.

• ما الدور الذي استطاع أن يقوم به المراقبون العرب للسوريين المتواجدين في المناطق الساخنة؟
- استطعنا خلال تواجدنا إعادة حركة الناس وتسهيلها، وتسهيل خروج الاحتجاجات السلمية، نظرا لحالة الاطمئنان التي سادت لدى السكان بعد مجيئنا، بحيث استطعنا أن نحقق انفراجا إنسانيا.

• هناك جدل صاحب مهمة بعثة المراقبين، وصل إلى حد وجود علامات استفهام حول المهمة، سواء من قبل المعارضة السياسية أو من النظام، كيف تقرأ هذا الجدل؟
- لا شك في أن وجود المراقبين في سورية صاحبته مجموعة من الانتقادات، بدءا من رئيس البعثة الذي اتهم بتورطه بجرائم متعددة، حتى دور الجامعة العربية الذي تعرض للكثير من التشكيك من قبل وسائل إعلام وقوى سياسية.
فالنظام والموالون له اتهمونا بأننا جئنا وتقريرنا جاهز لتدويل الأزمة، فيما المعارضة اتهمتنا بأننا جئنا لإنقاذ النظام.
كما طالت بعض الانتقادات المراقبين أنفسهم، وذلك يعود لمهامهم المنصوص عليها في بروتوكول الجامعة العربية، التي تتصف بأنها مهام ذات طبيعة عامة، إضافة إلى عدم تفهم طبيعة عملهم حتى من دول أرسلت مراقبين.
وفي رأيي، أن هذه المخاوف هي مخاوف مشروعة للناس، وذلك بسبب غياب الوعي الكامل لمهام المراقبين.
• ما الجدل الذي لحق بالمراقبين بعد تقريرهم؟
- بدد تقرير المراقبين مخاوف النظام السوري من أن عملنا يمهد لتدخل دولي، وفي المقابل، أثار حفيظة المعارضة، وذلك لأنه أشار إلى وجود "معارضة مسلحة"، وهو ما تم الإعلان عنه لأول مرة من طرف غير النظام السوري.
وكان من أبرز مطالب التقرير، وقف العنف المسلح بين كلا طرفي الأزمة السورية، وهذه التوصية أوجدت مشاعر ضدنا من قبل المعارضة، من باب أننا نساوي بين "الضحية والجلاد".

• برأيك ما هو الإطار الفعلي لمهام المراقبين الذي شابه العديد من الانتقادات؟
- عمل المراقبين، هو عمل ميداني ورصدي، ويقوم على التحقق من مدى التزام الحكومة السورية فيما يتعلق بوقف إطلاق النار وإزالة المظاهر المسلحة، والسماح بدخول وسائل الإعلام، إضافة إلى توفير الحرية لبعثة المراقبين وتسهيل تنقلها.

• ما أبرز الملفات الحقوقية التي عمل عليها المراقبون؟
- من أهم الملفات ملف المعتقلين، وأريد أن أشير إلى ان هذا الملف بالتحديد شابته مبالغة كبيرة فيما يتعلق بالأعداد، إذ هناك أعدادا نطقت بها المعارضة وصلت إلى 30 الف معتقل، والنظام تحدث عن 10-15 ألف معتقل، والصورتان كان يسودهما التشكيك، الأمر الذي انعكس على دور البعثة ومهامها.

• لحق الانتقاد بالجامعة العربية في كثير من الجوانب التي تتعلق ببعثة المراقبين، ما رأيك في ذلك؟
- لا أنكر أن التقصير شاب دور الجامعة فيما يتعلق بالمراقبين، لاسيّما غياب الكثير من الأدوات المساعدة لعملهم، وربما يعود ذلك لعدم خبرة الجامعة في هكذا بعثات، خصوصا وان هذه البعثة هي البعثة الأولى في تاريخ الجامعة.
كما لم يكن هنالك إعداد مسبق فيما يتعلق بنقاط التحقق لبنود البروتوكول، إضافة إلى غياب الدعم اللوجيستي والتقني، وما زودته الجامعة للبعثة، هو فقط هواتف الثريّا، والقبعات والسترات التي شابها انتقاد أيضا، لاسيّما وأنها ليست واقية من الرصاص، حتى المخصصات المالية كانت ضعيفة، ففي البداية خصص مليون دولار لمهام البعثة، لكن بعد أن استدركت الجامعة عدم توافق هذا المبلغ مع الواقع، رفعت المبلغ إلى 5 ملايين دولار.

• ما تعليقك على تصريح رئيس لجنة المراقبين الأردنيين نقيب الصحفيين طارق المومني، الذي تحدث بعد عودته إلى عمّان، بأن ما تعرضه وسائل الإعلام ليس له علاقة بما يحدث على أرض الواقع في سورية؟
- ما لمسته خلال تواجدي في سورية ان هناك مبالغة من طرفي الأزمة السورية في تصوير حجم الانتهاكات المرتكبة من كل طرف، ما يعني أنني قبل أن أذهب إلى هناك، كان في مخيلتي شيء مختلف عما شاهدته على الأرض.

• عول كثيرون على أن مهمة المراقبين كانت ستفضي إلى حل الأزمة السورية، ما تعليقك على ذلك؟
- من الخطأ أن تصل بعثة المراقبين إلى تقييمات حاسمة للأزمة السورية في هذه الفترة القصيرة من عملها، لكن كان يجب أن تعطى لها الفرصة بأن يكون لها دور حاسم، ولا اعتقد أن بروتوكول الجامعة العربية ودور المراقبين بناء عليه، سيكون عاملا في تخفيف الآثار المحتملة على حياة الشعب السوري، لذا يجب العمل على توسيع نطاق عمل المراقبين، بحيث تشمل حماية المدنيين، والعمليات الإنسانية.
• من المألوف أن يكون هناك عمل مسلح من طرف النظام السوري ليجابه الاحتجاجات، لكن ما تبرير وجود عمل مسلح من قبل المعارضة السورية؟
- يعود ذلك الى أن النظام السوري في بداية اندلاع الاحتجاجات السلمية ضده، بالغ في حجم القمع والانتهاكات ضد المتظاهرين، الأمر الذي أدى الى تولد معارضة مسلحة لردع ذلك القمع، فضلا عن التخاذل الدولي في بداية الأزمة، وضعف الاهتمام لإزالة حالة الاحتقان، والعمل على اتخاذ إجراءات من شأنها أن تحقق انفراجا ديمقراطيا على الساحة السورية.
 واستمر هذا التخاذل عدة شهور لم يستغله النظام السوري بمبادرات تحقق انفتاحا سياسيا واقتصاديا، بل استخدم العنف المسلح بحق مظاهرات سلمية، الأمر الذي زاد من حدة الاحتقان، وأوجد ما يعرف بـ"المعارضة المسلحة".

• ماذا أفرزت الأزمة السورية؟
- بعد أن كانت هناك معارضة خارجية ومعارضة داخلية، أصبحت هناك معارضة مسلحة ومنشقون من الجيش السوري، ما أدى إلى تنامي العمل المسلح من قبل المعارضة.

• خلال تواجدك في سورية، هل شعرت بأن هناك أصواتا تطالب بالتدخل الدولي "التدويل" لحل الأزمة السورية؟
- تدويل الأزمة السورية، هو مطلب رئيس تكاد تتفق عليه جميع قوى المعارضة هناك، لكن في رأيي ليس من الحكمة أن يكون هناك تدخل دولي في سورية، ذلك لأن النظام السوري نظام "متهور"، يتحدث عن مشاريع مستقبلية ولم يقدم أي مبادرة على أرض الواقع، لذا فمن غير الصواب أن يجابه ذلك التهور بتهور آخر، الامر الذي سيؤدي إلى ولادة "عراق جديد" لا محالة.
لكن، أعتقد أنه ليس من السهل الوصول إلى مرحلة تدويل الأزمة السورية، وذلك لعوامل جيوسياسية، مثل إيران وحزب الله، وإذا ما تم فتح باب التدخل الخارجي فإن اللاعبين السياسيين سيكونون كثرا على المسرح السوري، وسينعكس ذلك على عملية التحول الديمقراطي، وبالتالي نشوء عراق جديد.

• الجامعة العربية تصف ما يحدث في سورية بـ"الأزمة"، ولم تصفه حتى الآن بأنه "ثورة"، برأيك هل ما يحدث في سورية هو فعلا ثورة؟
- الثورة يجب أن تكون شاملة، وما يحدث في سورية هو "حراكات احتجاجية واسعة لم تصل إلى حد الثورة"، نظرا لعدم تحرك كل من مدينتي دمشق وحلب حتى الآن، باستثناء أريافهما فقط، ولم نشهد فيهما مظاهر احتجاجية مسلحة، حتى اللاذقية لم تتحرك، خصوصا وأن 95 % من سكانها موالون للنظام السوري.
وذلك يعود الى أن كلا من دمشق وحلب ترتبطهما بالنظام علاقة مبنية على اعتبارات اقتصادية، وليست ذات أبعاد سياسية، وبالتالي فالمصلحة الاقتصادية تحول دون تحركهما.

• هناك آراء تميل إلى أن الربيع العربي الذي ولدته الثورات العربية توقف عند ليبيا، وما يحدث في سورية ليس على غرار ما حدث في كل من تونس ومصر وليبيا، ما رأيك في ذلك؟
- نعم هذا رأي صحيح، فالحالة في سورية تختلف عما حدث هناك، مع العلم أن تونس شهدت أكثر الحراكات الاحتجاجية، وأن ليبيا شهدت صراعات مسلحة حسمها "الناتو"، ومصر شهدت انهيارا للمؤسسة العسكرية حسمت انهيار النظام فيها.
أما ما يحدث في سورية فهو أمر معقد جدا، وذلك بسبب التشعبات التي تحدث جراء التدخلات الإقليمية، التي تذهب إلى أن سقوط النظام السوري يمثل "اختلالا" في موازين القوى السياسية في المنطقة، إضافة إلى أن الحكم السوري هو حكم أسرة، وليس طائفيا أو علويا على وجه الخصوص، كما يعتقد كثيرون، فهناك مجموعات من طوائف متعددة منتفعة من النظام السوري، وتحرص على المحافظة على مكاسبها.
ولو أن الوضع في سورية كان على غرار مصر، بحيث أن الجيش كانت له السطوة الرئيسية فيه لسقط بشار الأسد، منذ وقت طويل، والمشكلة تكمن في أن الدولة السورية هي دولة بوليسية، والنظام قائم على تعزيز أفرعه الأمنية، الأمر الذي انعكس على الجيش السوري، الذي يفقد الدعم والتطوير، وبالتالي فإن حسم بقاء النظام السوري لن يأتي من الجيش، ومن الصعب حدوث انشقاقات أمنية هناك.

• من مظاهر الأزمة السورية وجود حرب إعلامية، ما رأيك في ذلك؟
- الحرب الإعلامية جاءت لاعتبارات تتعلق بأجندات سياسية، وهي جزء من صراع القوى لإعادة رسم خارطة الطريق في المنطقة، وكثير من الذين يصنعون القرار حول ما يجري في سورية يعتمدون على المشهد الإعلامي، الذي يرسخ في أذهانهم، إضافة إلى التقارير الاستخباراتية.

• بعيدا عن التدخل الدولي، ما هو طريق الحل للأزمة السورية؟
- لا بد من وجود طرف ثالث في سورية يعمل دور الوسيط، وينجح في جعل النظام السوري يقدم تنازلات ملموسة، ويحاور المعارضة بحيث تصبح هناك شراكة حقيقية بينهما، لكن في رأيي من الصعب تحقيق تلك الشراكة، وظهر ذلك جليا في خطاب الرئيس السوري الأخير، الذي وضع شروطا للمعارضة تصّعب من تحقيق تلك الشراكة، ووضع أرضية حوار بينهما.