ربع ساعة من المطر!!

كان الخميس الفائت يوما أسود بكل معنى الكلمة، ففي ربع ساعة فقط فقدنا 21 شخصا أغلبهم أطفال كانوا مقبلين على الحياة، جرفتهم مياه أمطار وسيول داهمت رحلتهم المدرسية فجأة فأخذت من أخذت وأصابت من أصابت وخلفت في محاجر العين دموعا وحزنا خيّما على كل بيت أردني.اضافة اعلان
المصاب جلل، والألم كبير، والحزن أكبر من أن يوصف، فأن تتخيل ان 21 طفلا في بدايات الحياة كانوا يتنزهون ويضحكون ويلعبون مقبلين على الحياة، وفجأة جرفهم تيار مياه لا يعرفون كيف أتى أو من أين، ولا يعرفون كيف الهروب من هذا الوحش القاتل، فاستشهد البعض وأصيب البعض الآخر.
الحصيلة أنه في ربع ساعة فقط فقدنا هذه الأرواح البريئة، بمعنى أن مياه السيول كانت تسرق منا في كل 45 ثانية طفلا، ولذا فلا بد من فتح تحقيق وإطلاع الناس على مجريات ذاك التحقيق الذي يتوجب أن يكون محايدا، ويشارك فيه مختصون والسلطة القضائية والمركز الوطني لحقوق الانسان ونقابات مهنية وغيرها من مؤسسات، وعدم اقتصار التحقيق على لجنة تضم وزراء دون غيرهم.
ما كان يخرج من تصريحات لمسؤولين بين فينة وأخرى، وتلك المحاولات التي جرت بهدف تحميل المدرسة كامل المسؤولية، اعتقد انها (أي التصريحات) كانت متسرعة وتفتقد للموضوعية والحيادية والجدية أيضا، فالمدرسة قد تتحمل جزءا من المسؤولية وربما مسؤوليات لوجستية، بيد أن تسليط الضوء على تغيير سير الرحلة من الازرق للبحر الميت، وكأن الرحلات للبحر الميت ممنوعة، أمر غير مقنع، فالرحلات المدرسية للبحر الميت قائمة، وكانت مدارس مختلفة تقوم برحلات لمنطقة البحر الميت يوم الخميس الماضي ومن بينها مدرسة ابني مراد، الذي كان في رحلة مدرسية وقت وقوع الحادث، ولذا فإن القول بأنه تم تغيير مسار الرحلة لا يسمن ولا يغني، وتبرير لا يجوز استخدامه، فلا مصلحة للمدرسة لممارسة الغش وتغيير مسار الرحلة كما قالت وزارة التربية والتعليم من الازرق لزرقاء ماعين، فالمدرسة لا ضير لديها لو طلبت رحلة لزرقاء ماعين سيما وأن الرحلات غير ممنوعة وقت ذاك للمنطقة، كما أننا كمواطنين وعند زيارتنا للبحر الميت يتم توقيفنا من قبل 2-3 دوريات سير وهذا بطبيعة الحال ينطبق على باصات المدارس، ولذا فإنه من المؤكد أنه قد تم الاطلاع من قبل رجال السير على تصريح الباصات وتم معاينة خط سيرها.
القصة ليست في تغيير مسار الرحلة او خلافه، فتلك المحاولات الهدف منها إزاحة الضوء عن المشكلة الحقيقية، ومحاولة تقزيم الأمور، وحصرها بجهة واحدة. نستذكر هنا أن رئيس الوزراء كان قبل 24 ساعة من وقوع الحادثة بزيارة للدفاع المدني واجتمع مع كبار المسؤولين للاطلاع على الجاهزية للمنخفض المقبل، وجرى التحذير من السيول والعواصف، وأذكر انه تم تعليق دوام بعض المدارس بالبادية جراء الغبار، أي أن الجهات الحكومية كانت تعرف أن منخفضا شديدا مقبلا وأن حجم الأمطار سيكون مختلفا، فلماذا لم تقم وزارة التربية بتعليق الرحلات المدرسية!
محاولات تحميل طرف واحد مسؤولية ما جرى يفتقد لأدنى معايير التحقيقات المحايدة، فالمدرسة وإن تحملت جزءا من المسؤولية فإن أطرافا أخرى تتحمل أجزاء أخرى، وما جرى مصاب جلل يجب أن لا يمر دون محاسبة بشفافية وعقاب وثواب.
الحكومة عليها أن تخرج من عقدة إلقاء اللوم، وأن التعامل مع الامر بعقلية الحكومة المسؤولة عن الجميع والتي لا يضيرها أن تعترف بالخطأ إن حصل، فلا ضير أن تعترف التربية والتعليم بالخطأ أو أي وزارة أخرى، فالاعتراف بداية الحل، وإبقاء الأمور والمكابرة يعني مواصلة  ارتكاب الأخطاء.
سؤال برسم التفكير.. أنظمة الإنذار المبكر التي قيل عنها سابقا يبدو أنها لا تعمل جراء السيول والفيضانات، السؤال هو متى ستعمل تلك الأنظمة ولماذا تم تركيبها إن كانت لن تساهم في إنقاذ حياة الناس؟!. أيعقل أن ربع ساعة مطر تكلفنا حياة 21 طفلا؟!