ربما يتردد صدى قرار ترامب الانسحاب من سورية لسنوات قادمة

مارتن شولوف – (الغارديان) 21/12/2018 ترجمة: علاء الدين أبو زينة عندما أعلن الرئيس الأميركي أن الحرب في سورية قد انتهت، فإنه تجاهل الإجماع على ضرورة مواجهة تهديدات كل من إيران و"داعش". * * * بينما تداعت ما تدعى "الدولة الإسلامية" على مدى السنتين الماضيتين، حول جنرالات الولايات المتحدة وعملاؤها اهتمامهم بالتدريج إلى التركيز على ما سيأتي تالياً. وقبل كل التهديدات الأخرى المتصورة –حتى ذلك الخطر المقيم الذي يشكله الجهاديون أنفسهم- كان خطر تكريس إيران نفسها في المناطق المقهورة في العراق وسورية. كان الإجماع في أوساط مؤسسة الأمن الأميركية شاملاً تقريباً: يجب أن تبقى قوات واشنطن في شرق سورية لكي تشهد ذهاب الجهاديين وإيران، وربما تكون المهمة ضد إيران طويلة ومستمرة كما هو حال القتال ضد الجماعة الإرهابية. هذا الاستنتاج، الذي كان بالغ المركزية للعقيدة الأميركية يوم الثلاثاء، أصبح فائضاً ولا معنى له ليلة الأربعاء عندما تجاوز الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، اعتراضات أقرب مستشاريه ليعلن أن الحرب قد انتهت. وبفعله ذلك، يكون قد قوض استراتيجية كان هو نفسه قد استثمر فيها بكثافة –إيقاف إيران قبل كل شيء آخر. وسوف تتردد أصداء تداعيات قراره لسنوات عديدة. شكل الطرف الذي قاد المعركة ضد "داعش" نقطة خلاف طوال فترة الحملة التي استمرت أربع سنوات. وقد تمسكت الولايات المتحدة بوكلائها الأكراد، حين نظرت إليهم على أنهم رهان أكثر أماناً من التحالف مع البنى القبلية في شرق سورية، وتملصت من شكاوى أنقرة المنتقدة من خلال الإشارة إلى النتائج. لم يعد "داعش" قيد الوجد ككيان مكرس وقوي في شمال شرق سورية. ومع أن بلدات المنطقة ومدنها أصبحت مدمرة ومهجورة، فإنها سوف ترحب بمنفييها في نهاية المطاف، والذين سيتولون في النهاية مهمة التخلص من المجموعة الإرهابية وإبقائها بعيدة -أو هكذا ذهب التفكير. عندئذٍ، سوف يستطيع الأكراد المنتعشون بالأسلحة والرعاية الأميركيين –والحضور المستمر- أن يحولوا انتباههم إلى إيران، التي تترتب على زحفها الاستثنائي تداعيات تمتد كثيراً إلى ما بعد المناطق الحدودية. كان ردع إيران عن تأمين موطئ قدم في سورية ومنعها من تعزيز مكاسبها التي تحققت على مدى 15 عاماً في العراق هي الركائز الأساسية للسياسة الخارجية الأميركية. ويمكن أن تشكل إيران متمتعة بالجرأة تهديداً خطيراً لإسرائيل –وهي حليف لا لبس فيه لدونالد ترامب- وأن تجعل الأمور أكثر صعوبة بكثير على شريك الرئيس الأميركي الإقليمي الآخر، المملكة العربية السعودية. في الأشهر الأخيرة، شرعت الخطوات التي تقوم بها الولايات المتحدة لمواجهة إيران شكلاً، بشكل أساسي من خلال إعادة فرض برنامج للعقوبات الذي كان قد رفعه باراك أوباما بينما يدفع من أجل إبرام الاتفاق النووي الذي أصبح الآن ميتاً. وكان الضغط على مصالح إيران الاقتصادية هو أداة واشنطن الرئيسية. وكان هذا المكان حيث تدخل تركيا. ففي تناقض مع الكثير من تفاصيل الحرب ضد "داعش"، كانت لأنقرة علاقات إيجابية مع إيران، حيث استوردت الغاز والنفط الإيرانيين اللذين يغطيان قطاعاً كبيراً من حاجات تركيا من الطاقة، ووفرت لطهران غطاءاً سياسياً في العديد من اللحظات المهمة. منذ آب (أغسطس)، كان تحويل تركيا بعيداً عن مدار طهران شغلاً شاغلاً لجهود الولايات المتحدة للضغط على إيران. وجاء قرار ترامب بالانسحاب في أعقاب سلسلة من التنازلات التي قدمتها أنقرة وواشنطن، والتي من الواضح أنها عملت على تنقية الأجواء بين الدولتين. في تشرين الأول (أكتوبر) أطلقت تركيا سراح قس أميركي كان محتجزاً لديها منذ سنتين لتهم بالإرهاب. وفي وقت لاحق من ذلك الشهر، وافقت أنقرة على الحد من وارداتها من النفط الإيراني –في خطوة مهمة لقيت استقبالاً حسناً لدى ترامب ومساعديه. وبعد ذلك، رُفعت العقوبات الأميركية التي كانت مفروضة على العديد من المواطنين الأتراك، وتم عرض تأجيل للعقوبات لمدة ستة أشهر لمنح فرصة لتركيا لفصل مصالحها في الطاقة عن طهران. ويوم الاثنين، بعد ثلاثة أيام من حديث بالهاتف بين ترامب والرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، التزمت أنقرة بمبلغ 3.5 مليار دولار (2.75 مليار جنيه إسترليني) لشراء صواريخ باتريوت الأميركية. ثم جاء ذلك إعلان ترامب. وقال إردوغان أن ترامب لن يقف في وجه توغل تركي في شمال شرق سورية، ومن دون وجود القوات الأميركية في الطريق، فإنه لن يفعل بالتأكيد. سوف يكون اكتساب السيطرة على الحدود السورية من نهر الفرات إلى الحدود العراقية مكسباً استراتيجياً ضخماً لتركيا، ويبدو أن ترامب يحسب أن ذلك قد يكون كافياً لجر أنقرة بعيداً عن مدار طهران. قام ترامب في واقع الأمر بتبديل الخيول من الأكراد إلى عدوهم الألد، الأتراك. وبفعله ذلك، يكون قد راهن على مرحلة جديدة في الحرب الإقليمية، والتي يسمح جوهرها لـ"داعش" بالإفلات من الصنارة من أجل مواجهة عدو أكثر إلحاحاً. مع عدم وجود قوات أميركية هناك للدفع بالقضية، سوف يكون ترامب بصدد الاعتماد على بلدان أقل عناية بتحقيق مثل هذه النتيجة. وسوف تُترك روسيا لتكون المحاور الدولي الرئيسي الأخير في المنطقة، وهو ما سيعزز أهميتها بشكل كبير. ولن تواجه إيران أي معارضة تقف أمام تحقيق هدفها الاستراتيجي الحاسم المتمثل في إقامة ممر بري إلى من طهران إلى دمشق وإلى البحر الأبيض المتوسط. وسوف يعيش "داعش"، السبب الأساس لهذه الفوضى في المقام الأول، ليستجمع نفسه ويتجدد.   اضافة اعلان

*مراسل صحيفة "الغارديان" في الشرق الأوسط. *نشر هذا المقال تحت عنوان: Donald Trump's Syria withdrawal could reverberate for years