ربيع الهلال الشيعي

كانت أعصاب الناس محروقة سلفا من الحرائق في غابات لبنان حتى جاء فرض الضريبة الإضافية على الاتصالات ليفجر الاحتقان فاندفع الشعب كله الى الساحات ليطلب رحيل الطبقة السياسية كلها. أجمل ما يحدث هو خروج اللبنانيين من التعليب الطائفي موحدين حول وطنيتهم ومواطنتهم المظلومة وكراهيتهم للطبقة الفاسدة من الحكام. والدليل ان التظاهرات شملت كل المناطق من طرابلس والشمال السني الى صيدا وصور والجنوب الشيعي الى الوسط المسيحي وفي القلب بيروت بكل تلاوينها. كأن "الموجة" الثالثة من الربيع العربي - وأستأذن الصديق والرفيق د. احمد العجارمة بهذا التعبير الذي كتبه أمس – اختصت بأنظمة الديمقراطية الطائفية المعلبة وهي لا تقل خرابا وفسادا عن سابقاتها أنظمة الاستبداد الفردي والعسكري (السودان والجزائر) التي ضربتها الموجة الثانية. فقبل لبنان رأينا في العراق هذه الظاهرة الاستثنائية بخروج الجمهور على القيادات الطائفية التي احتجزته تحت سلطتها في الحيز الاجباري الذي يجمع الهوية الفئوية والمصالح والمخاوف. الناس التي ترى الفساد والإثراء واستباحة المال العام بينما هي تعاني الفقر والتهميش وسوء الخدمات لم يعد يعنيها هذا التمثيل ولا تشتريه وتنزل للشارع لا تسأل عن لون من ينزل معها من اجل نفس القضية وهي اطاحة الحكم الفاسد. وقد لاحظنا هذا الوعي الدقيق في شعارات وتعبيرات مظاهرات لبنان التي هاجمت كل الطبقة السياسية ورفعت علم لبنان وحده وهتفت للجيش الذي يمثل الوطنية اللبنانية نقيضا للميليشيات الطائفية. الاحتجاجات في لبنان كما في العراق موجهة ضد السلطة الفاسدة على وجه العموم لكن يعرف الجميع ضمنا ان الشريك الأقوى المتحكم بالسلطة هو القوى السياسية الشيعية – الايرانية ولذلك وجدنا الردّ العنيف ضدّ الثورة يأتي من هذه القوى وكانت في بغداد شديدة العنف والهمجية اسقطت اكثر من 150 قتيلا وآلاف الجرحى وفي جنوب لبنان تصدى انصار حركة أمل وحزب الله بالعنف للمتظاهرين، بينما اظهر الجيش تعاطفه معهم. والحقيقة ان الجمهور لم ينزل لصالح احد بل ضد جميع من في السلطة ايّا كان لونهم وهو كان يحرص كل لحظة على الهتاف بسقوطهم " كلهن كلهن " .. لكن مادامت السلطة اساسا بيد طرف بعينه فهو يشعر بالضرورة انه المستهدف ولذلك خرج حسن نصرالله في خطابه المتلفز يتحدى خصومه السياسيين والاحتجاجات معا بأن العهد – عهد حليفه رئيس الجمهورية ميشال عون – باق ولوّح بنزول مضاد الى الشارع يقلب كل المعادلات أما قائد التيار الحر وصهر الرئيس جبران باسيل فقد رد بتحد وسخرية على المهلة (الإنذار) التي وجهها الرئيس الحريري لقبول مشروع الاصلاح. السمة المميزة لهذه الموجة من الربيع العربي انها انفجرت في وجه الأنظمة "الديمقراطية" القائمة على الاستبداد الطائفي حيث تتحاصص القوى النفوذ وتتزاحم على المكاسب على حساب الناس. والانفجار كان سيحدث أيا كان الطرف الأكثر هيمنة على السلطة وواقع الحال الآن أنه الطرف الشيعي – الايراني فيكسب ضمنا محتوى الثورة على هذه الهيمنة. ومن جهة أخرى تواجه قضية الاحتجاجات تحديا يضعنا في حيرة شديدة فالقوى السياسية كلها تقوم على صيغة طائفية وتتخلل مؤسسات الدولة الدستورية فلا بديل متوفرا لها ناهيك عن وجود الميليشيات المسلحة وهي لا تقلّ قوة عن الجيش بل تزيد! الناس لا تبالي بشيء الآن غير رحيل الطبقة الحاكمة وربما يكون الحلّ القريب الاستجابة النسبية لمطالب مكافحة الفساد والاصلاح لكن الشق الذي انفتح مدفوعا بانشقاق القاعدة الشعبية للقوى الطائفية هو على المدى المتوسط تجاوز النظام الطائفي الفاسد كله.اضافة اعلان