رجالات الأردن

في غمرة الاحتفالات بمئوية الدولة الأولى، يتوجب التركيز والتذكير برجالات الوطن الأوائل، الذين قام هذا البلد على ظهورهم، وبكد جهودهم، حيث كانوا يواصلون الليل بالنهار، في سبيل نهضة الأردن ورفعته وازدهاره وتقدمه، ناهيك عن بذل النفيس والغالي للدفاع عنه. في شتى التخصصات والمجالات، وفي كل بقاع هذا الوطن، من شماله إلى جنوبه ومن شرقه إلى غربه، من المؤكد أنه كان هناك أشخاص، تركوا بصمات، حفرت في التاريخ الأردني، تاركة آثارا بقيت شاهدة عيان، على مر العقود.. فهناك رجال رجال، ما توانوا لحظة في الذود عن حمى الأردن، والعمل على الارتقاء به إلى مصاف الدول المتقدمة، رغم ما مر به من محن وويلات وأزمات، وما خاضه من حروب، وما أُحيك ضده من مؤامرات، كان يُراد منها النيل من وطن، له جذور ضاربة في التاريخ. الجميع، وبلا استثناء، مقصر في هذا الموضوع، سواء أكانت الحكومة بأجهزتها وأذرعها المختلفة، أو القطاع الخاص، وكذلك الصحافة والإعلام، المرئية والمسموعة والمقروءة. فماذا كان يُضير الجهات المعنية من تسليط الضوء على شخصيات ورجالات الأردن الأوائل، وحتى أولئك الرجال الذين يجوز أن نُطلق عليهم "العاديين"، ممن لم تبوؤوا مناصب عليا، سواء أكانت مدنية أم عسكرية، أو حتى في القطاع الخاص.. فمثلًا لماذا لا يتم إقامة أو تنظيم برامج تلفزيونية أو إذاعية أو عمل تقارير صحفية، أو حتى إقامة معارض، تركز على أولئك الأوائل، ممن كان لهم السبق في مجال معين، أو تخصص ما. لماذا لا يتم عمل تقرير أو برنامج أسبوعي، يُسلط الضوء، مثلًا، على أول طيار حربي أردني، أو حتى أول دفعة طيارين أردنيين، مع ذكر الحروب التي خاضوها أو المهمات التي شاركوا فيها، ما لم تكن سرية طبعًا.. فليس من المعقول أبدًا، ونحن على بعد أيام من انتهاء مئوية الدولة الأولى، أننا ما نزال نقرأ عن عملية استشهاد موفق السلطي، من ضابط إسرائيلي، كان يبكي وهو يسرد قصة انتهاء (استشهاد) البطل السلطي، أثناء حرب خاضها الجيش العربي مع الكيان الصهيوني، في أيام خلت. لماذا لا يتم تأليف كُتيب صغير، يُكتب بأسلوب سهل، يفهمه الجميع، يُركز على الدفعة الأولى من ضباط القوات المسلحة الأردنية التي أسست نواة الجيش العربي، وكذلك المخابرات العامة، والأمن العام بأجهزته المختلفة، والدفاع المدني؟.. ما المانع من أن يقرأ أبناء الأردن، وخصوصًا من هم على مقاعد الدراسة، عن بطولات وأعمال قام بها الأردنيون الأوائل، وما طرحوه من أفكار ورؤى ومشاريع، تركت بصمات كان لها أثر في النفوس قبل الوطن. أكاد أجزم، بأن أكثر من تسعين بالمائة من الشعب الأردني، لا يعرفون من هو أول فنان أردني، أو موسيقار، أو ممثل، أو شاعر، أو مطرب... والكثير الكثير لا يعرفون عن أول مؤرخ أردني.. حرام ولا يُعقل أن تحتفل دولة بمئوية تأسيسها، وتغض الطرف، أو يغضون، عن عظماء أسهموا في بناء هذا الوطن. هوية أي دولة، ليست مرتبطة فقط بتراث وآثار، يمتدان لآلاف الأعوام، وإنما مرتبطة بأناس تركوا بصمات واضحة في أماكن عدة من الوطن.. من حق الأردنيين جميعهم، على الوطن أن ينقش أسماء رجالات، كان لهم الفضل في أمن واستقرار البلد على مر أعوام عديدة، ليس في فترة معينة فقط، بل في الذاكرة، لتبقى حاضرة لكل الأجيال.اضافة اعلان