رجعت الصيفية

 

 تعاني العائلات الأردنية على اختلاف تصنيفها الاجتماعي من معضلة الصيف، وكيفية توفير بدائل عن ساعات الدراسة التي تبتلع في العادة معظم النهار، ليعود الطالب بعدها إلى البيت، منهكا محمّلا بالمزيد من الواجبات المدرسية، وتتفاوت وسيلة التعاطي مع المشكلة بحسب المستوى المعيشي للأسرة.

اضافة اعلان

 حين تغلق المدارس أبوابها في وجوه الطلبة، يصبح لديهم فائض من الوقت المكتظ بالفراغ لا يحول دونه ما يتوفر من المنزل، من وسائل التسلية  كالتلفزيون والكمبيوتر، يصبح لدى الوالدين المنهمكين في وظائفهما مشكلة إجرائية كبيرة حين يضطرون إلى ترك الأبناء من دون رعاية طيلة أوقات الدوام.

إذ لا يتوفر أمام الجميع رفاهية الاشتراك في النوادي الصيفية، التي تقيمها المدارس الخاصة، ذات الكلفة العالية فتضاهي الرسوم المدرسية وربما تفوقها كذلك، وفي جميع الأحوال يبقى النادي الصيفي أبو الخمس نجوم خيارا مقتصرا على فئة معينة بعينها، وهي نفس الفئة التي يتاح لها اتخاذ قرار السفر درجة أولى كلما داهم أولادَها المللُ.

ومن الملاحظ أن موضة السفر لقضاء الإجازة الصيفية خارج البلاد تجاوزت منطقة نفوذ الأثرياء، لتصبح مطمح فئات أقل مقدرة، هنا سوف تختلف الدرجات بالضرورة لتصبح أقل تواضعا، وهي حيز استهلاكي جديد للتباهي أمام الآخرين، بدأ يغزو أحلام كثير من المواطنين.

وتعمل الإعلانات السياحية، ذات العروض المغرية على تحفيز الناس على التفكير بالسفر رغم شح الموارد، وتنتشر هذه الإعلانات بشكل بالغ الكثافة في مطلع كل صيفية، حتى أن بعضها يقدم عروضا تصعب مقاومتها لرحلات سياحية إلى بلدان مجاورة وبالتقسيط المريح، وتضطر كثير من العائلات من ذوي الدخل المتوسط المثقلة بالديون وبأعباء مالية كثيرة إلى الرضوخ لرغبات أبنائهم بالسفر أسوة بالأصدقاء، فيتحمل الوالدان ديونا إضافية من أجل تحقيق رغبة صغارهما، ويجمع الكثيرون أن قضاء الإجازة في شرم الشيخ أو في لبنان أو الشام، تظل أقل كلفة من السياحة الداخلية باهظة الثمن وغير المتوفرة للعامة إلا في حدها الأدنى.

وقد يرى البعض أن الخوض في الهمّ السياحي وفي كيفية تمضية وقت الفراغ هو ضرب من الترف، سيما في ظل ظروف اقتصادية ضاغطة، غير أن الاسترخاء والمتعة خلال الإجازة حق طبيعي للطالب بعد عام من العناء الدراسي، الأصل أن لا يكون حكرا على طبقة ما.

وللأسف فإن الكثير من العائلات لا تجد خيارا سوى تسريح أبنائها إلى الشوارع، حيث ظروف عمالة غير مقبولة إنسانيا، أو تسول منظم، أو نشل وسرقات ومشاكل سلوكية لا حصر لها، يتضاعف وقعها في فصل الصيف.

هنالك تجربة رائدة ترعاها أمانة عمان من خلال مخيم صيفي تحت عنوان "بالأردن نكبر" في متنزه عمان القومي، حيث يستضيف المخيم حوالي 160 طالبا أسبوعيا، ويقدم برنامجا متكاملا يتنوع بين التثقيف والرياضة والترفيه.

نتمنى أن تقتدي مؤسسات عديدة في مختلف القطاعات بهذه التجربة المميزة كي يتسع نطاق خدماتها، ليشمل أكبر عدد من أطفال عانوا أشكالا عديدة من الحرمان تجاوزت حر الصيف، لتشمل الفصول بأكملها!

[email protected]