رجل ومراحل

 يقال ان التاريخ بكل اصنافه يعرف برجاله, ولهذا كانت كتب المذكرات من اكثر الكتب رواجاً وبخاصة اذا كانت لرجال سياسة او عمل عام عاشوا المراحل الدقيقة والمحطات غير الاعتيادية لاوطانهم او للعالم, وحديث اليوم عن احد الرجال الهامين في تاريخ الاردن السياسي رغم انه لم يتقلد موقعا رسمياً باستثناء دخوله مجلس النواب لفترة واحدة ربما لم تكتمل, والحديث عنه ليس بقصد المديح او التسويق, فقد ألزمه المرض وتقدم السن منزله منذ حوالي عشر سنوات, وربما لا تعرفه الاجيال الجديدة, كما ان قوانين المجتمع الظالمة تحرم من سبقوا حتى من لمسة وفاء ممن عرفوه.

اضافة اعلان

 محمد عبد الرحمن خليفة اسم قد لا يراه البعض هاماً, لكن العارفين بتفاصيل الحياة السياسية في الاردن خلال اكثر من اربعين عاماً يعرفون هذا الرجل جيداً, فقد تسلم قيادة الاخوان المسلمين منذ بداية الخمسينيات بالتزامن تقريباً مع قيادة الحسين رحمه الله للاردن, وغادر خليفة العمل العام عام 1994 حينما تم انتخاب عبد المجيد الذنيبات مراقباً عاماً للاخوان خلفاً له, وخليفة كان قائد اهم تنظيم سياسي واجتماعي اردني خلال فترات صعبة من تاريخ الاردن, وفي جعبته واوراقه الكثير من التفاصيل والاسرار, وله خصومه ومنتقدوه والمحتجون عليه, لكن اهمية الرجال ليست بكثرة محبيهم, بل بأهمية ما فعلوا وحضورهم والزمن الذين كانوا فيه, حتى لو كان هذا الفعل لا يجد لدى البعض قبولاً.

 ورجالات الدولة في فترات حكم الحسين رحمه الله يعرفون محمد عبد الرحمن خليفة ودوره وتأثيره, فقد قاد الاخوان وصنع مع مؤسسة الحكم معادلة العلاقة بين النظام السياسي الاردني والاسلاميين, هذه المعادلة التي يتحدث عنها المهتمون بايجابية باعتبارها مصدر نجاح نموذج العلاقة الايجابي, وخليفة قاد الاخوان في مرحلة الخمسينيات يوم ان كانت الساحة الاردنية مشتعلة بالنشاط ومشاريع الانقلابات والديمقراطية والانتخابات والمد الناصري, وما تبعها من احكام عرفية, وهو القائد للتنظيم الذي اختار الانحياز الى جانب نظام الحكم في مواجهة قوى اليسار والبعث والناصريين, وكانت معادلة توازن مصالح بين النظام السياسي الاردني او الوقوع تحت حكم مدارس سياسية وفكرية على نقيض مع فكرة الاخوان, ولم يكن الاخوان بحاجة الى نصرة تنظيمات لو وصلت الى الحكم لكررت ما فعل عبد الناصر بالاخوان, ومارسوا حقهم في الاجتهاد والموازنة.

وكان خليفة احد العناصر الهامة في المعادلة الداخلية بحكم موقعه في مرحلة الستينيات, وما تبع هزيمة حزيران عام 1967 ثم العمل الفدائي الذي كان للاخوان مشاركة محدودة فيه وان كانت نوعية, وما تلا ذلك من احداث عام 1970 مروراً بكل الاحداث بما فيها الانتخابات التكميلية عام 1984 ثم احداث نيسان 1989 التي وقف فيها الاخوان موقفاً شبه محايد ولم يكونوا جزءاً منها, وما تلا ذلك من انتخابات نيابية عام 1989 والفوز المفاجأة للاسلاميين, ومشاركتهم في حكومة مضر بدران عام 1991 واحداث الخليج الاولى التي انتهت بعدوان ثلاثيني على العراق بكل تفاصيل ادارة الشارع الاردني وضبط ايقاعه. ولعل وجود محمد عبد الرحمن خليفة على رأس قيادة الاخوان يقدم اكثر من نصف الاجابة عن مشاركة الاخوان في انتخابات عام 1993 رغم صدور قانون الصوت الواحد قبل الانتخابات بأسابيع قليلة, هذا القانون الذي اصبح احد مبررات المقاطعة عام 1997 .

وربما لا يعرف الكثيرون ان خليفة لم يكن قائداً للاخوان في الاردن فقط, بل كان قائداً للتنظيم في الاردن وفلسطين قبل ان تقتضي الظروف الاستقلال لكل ساحة, وهذا يعني انه قاد تنظيماً في مواجهة الاحتلال, وتحسب له او عليه كقيادة ادارة هذه المعادلة بما فيها المراحل التي شهدت بناء ادى الى انتفاضة عام 1987 وما افرزته من تحولات على الساحة الفلسطينية, كما كان من ابرز قادة الاخوان في العالم في مرحلة الاعتقالات والسجون لقيادات الجماعة في مصر في عهد عبد الناصر, وحتى بعد خروجهم كان من ابرز قيادات ما يسميه الاعلام التنظيم الدولي, ومن ابرز المحطات قيادته للجماعة التي كانت ذات دور كبير في معادلة علاقة اخوان سوريا مع النظام هناك وبخاصة بعد عام 1982 حيث بدأ تهجير الاخوان هناك وعائلاتهم, وهذه المعادلة كانت اخوانية- رسمية على الساحة الاردنية. ما اقصد في هذا الرد ليس التوثيق لحياة هذا الرجل او الدفاع عن مسيرته التي قد يكون حتى لمن عايشوه من الاخوان نقد لها, لكن المقصود القول ان هناك رجالاً في تاريخ هذا البلد كانوا ضمن السياق الرسمي والشعبي أدوا ادواراً هامة ومفصلية اكثر من اولئك الذين يصطادهم الاعلام او كتب المذكرات للحديث عن طفولتهم واسم المدرسة التي درسوا فيها, ويراهم البعض أعلاماً رغم انهم قضوا معظم فترات حياتهم موظفين لا صانعي احداث او شركاء اصليين في صناعتها.

   قد يكون العامل الاهم في سيرة محمد خليفة انه قاد التنظيم الأكبر اردنياً؛ لكن هذا لا يلغي العوامل الاخرى لرجل قاد هذا التنظيم اكثر من اربعين عاما, ومنها المواصفات الشخصية التي يفتقدها الاخرون.