رحلة إلى النبع

معاريف

عميره هاس

الأولاد يسبحون ويلعبون في برك عين فصايل، في غور الأردن. هذا يوم الجمعة، أصوات الأولاد تأتي من بين الأشجار، رائحة اللحم المشوي وهمس الجمر، والمياه التي تصدر أصواتا حين يرتطم الجسم مع الماء البارد، من أين أنتم يُسأل بعض الأولاد الذين يسبحون، "من دوما" يقولون ويشيرون إلى القمة فوق. نعم، قرية دوابشة، وهم أيضا يعملون في البناء في رام الله.       اضافة اعلان
فجأة يأتي شخص غريب، مسلح. يتوقف القلب للحظة، تسكت الأصوات، التوتر يملأ المكان، ولكن على ظهر الغريب المسلح توجد طفلة عمرها عامان، نائمة. يبدو أن المسلح ليس خطيرا، تعود الروح إلى الجسد، تعود الأصوات لتُسمع، في البداية بصوت منخفض وبعد ذلك بشكل طبيعي تقريبا.
لكن الأعين تنظر إلى المسلح وبارودته وإلى العشرة أشخاص الذين معه، على قميص احدهم الاسود مكتوب "حارس أمني". ثلاثة شباب من هذه المجموعة يخلعون ثيابهم ويبقون باللباس الداخلي البوكسر ويدخلون الى المياه، الأولاد من دوما يتسلقون الصخور الملاصقة للبرك ويخرجون من المياه.
الشبان الغرباء هم طلاب الثانوية. والغريب المسلح هو أفنير، واسم الطفل هو عميعاد (الأسماء الحقيقية موجودة لدى "هآرتس") ويتحدث بالإنجليزية مع بسام المهر الذي وصل إلى هناك على الدراجة الهوائية. وفي الطريق الى البركة مر بسام امام الشبان الذين ابتسموا له. إنه يعتقد أنهم لم يلاحظوا أنه فلسطيني مع الخوذة والجاكيت والقفازات. لقد قالوا "هاي" أيها الحبيب. وسأل بالإنجليزية من أين هم. فأجابوا من معلي أفرايم.
بسام هو ابن للاجئين بدو سكنوا على هامش أراضي شيخ مؤنس، القرية التي بنيت عليها جامعة تل أبيب. بسام البالغ اكثر من الأربعين بقليل، ولد ويعيش في منطقة جنين. انه يكتب دائما في "حوار محلي" ولكن لسعادتي فقد وافق أن أتولى المهمة في وصف الرحلة.
بسام الآن بجانب البركة التي دخل إليها الشبان في ملابس البوكسر الداخلية، والأولاد من دوما خرجوا منها. بسام مسلح بكاميرا، وافنير مسلح ببارودة، يلبس النظارات ويضع طاقية على رأسه، يقتربون من بعضهم البعض، بعد ذلك يرفع افنير الطاقية لتظهر الكيبا البيضاء على رأسه، ابتسامته واسعة، هو يسأل اولا بالانجليزية: "هل أنتم غرباء، من أين انتم؟" يجيب بسام: "لا نحن من هنا، من رام الله".
صديق بسام على الدراجة الثانية، يصمت، ولا يصحح ويقول إنه من البيرة، يقول أفنير: "سمعت ان رام الله مدينة كبيرة". يقول ذلك ويضيف انه من معلي افرايم. "هل تأتون الى هنا كثيرا؟" يسأل بسام. فاجاب أفنير نعم. واضاف بسام: "أنتم تأتون الى هنا وتسبحون مع جميع الفلسطينيين؟" فاجاب أفنير: "نعم، لا توجد مشكلة، نحن لا نتحدث، أنتم وهم لا تتحدثون معنا".
فقال بسام: "رغم كل ما يحدث من حولنا..." فقال افنير: "لا توجد مشكلة، ان حالة الجو هنا جيدة" أزال بسام نظره عن البارودة وفضل النظر إلى عميعاد بابتسامة.
قبل عدة سنوات رافق بسام صحفيا أميركيا تجول في البلاد ومراسل "ناشونال جيوجرافيك". في مستوطنة شيلا طلب الحارس من بسام البقاء في الخارج، لكن هذه ملاحظة جانبية، والملاحظة غير الجانبية هي: ليس مسموحا لبسام الصعود على دراجته والسفر الى ناحال دان مثلا أو اخذ ابنه وابنته الصغار الى اليركون والتجديف بقارب والقول لهم إن هذا النهر سبح فيه جدهم، وأيضا الاولاد وعمال البناء من دوما لا يحق لهم السفر يوم الجمعة الى نهر دان واليركون. 
إذن الاولاد والشبان من دوما والقرى الأخرى يحيطون البرك وينظرون بالمستوطنين الشبان الثلاثة بداخل البركة. شخص يقوم بتشغيل المسجل في إحدى السيارات حيث الاغاني الوطنية بالعربية. بسام يسأل وعمال البناء الفلسطينيون يجيبون: "نعم، يأتي المستوطنون إلى هنا باستمرار، انهم لا يتحدثون معنا ونحن لا نتحدث معهم، انهم لا يتعدون علينا ونحن لا نتعدى عليهم. 
لحسن الحظ لم يكن النبع في فصايل من ضمن قائمة الينابيع الثلاثين الذين يستخدمها الفلسطينيون من أجل السقاية والتسلية، وهم الان ممنوعون منها بعد ان سيطر المستوطنون عليها في السنوات العشر الأخيرة ولا يستطيع الفلسطينيون الوصول إليها.