رحلة صعود الصين

نغرق أحيانا في ملفاتنا الداخلية، ونقضي قليلا من الوقت في تأمل تجارب دول صعدت وما تزال تحقق النجاح تلو الآخر، وفي رحلة صعود هذه الدول يلوح في الأفق العديد من الفرص التي يمكن لبلد مثل الأردن الإفادة منها من خلال دراسة هذه النماذج ومحاولة الإجابة عن سؤال مفاده أين نحن من هذه التطورات وكيف لنا أن نوظف موقعنا الجغرافي وميزاتنا التنافسية. الصين اختطت الطريق الخاص بها فيما يخص السياسة الاقتصادية وأدوار الفاعلين، حيث وضعت رؤيا بعيدة المدى لم تحد عنها خلال عقود برغم الضغوط الهائلة والتحديات التي مرت بها. فماذا كانت النتائج؟ أربعون عاما من النمو المتواصل، وكان العالم يراقب مستويات النمو غير المسبوقة التي تجاوزت بالمعدل 6 بالمائة بالأسعار الحقيقية، وتراكمت احتياطيات لم يشهدها التاريخ من قبل، وشهدت تغيرات اجتماعية عميقة وصعود طبقة رأسمالية جديدة في الدولة الاشتراكية، بحيث بات في الصين اكبر عدد من "المليونيرات" على مستوى العالم. وماذا أيضا؟ العالم هو الذي بات يخشى الصين وليس العكس، فإلى جانب النمو الاقتصادي طورت الصين قدراتها العلمية والبحثية، واستثمرت في البحث والتطوير، وباتت مستويات التعليم افضل من تلك السائدة في الولايات المتحدة وخاصة على مستوى المدارس وتمت زيادة مخصصات البحث العلمي إجباريا في كافة المناطق الصناعية الكبيرة، وبذلك تخرجت الصين من مرحلة التقليد الى مرحلة الابداع، ومن هنا بتنا نشهد ماركات عالمية صينية لا يعيبها شيء، ولنرجع بالذاكرة الى ما قبل عقدين من الزمان، حينما كانت البضاعة الرديئة مرادفا لما يصنع في الصين. حاليا لا يوجد ما يضير تلك البضائع، ولا يوجد ما يشير إلى أن تلك الرحلة ستستمر، بحيث أن كافة التوقعات تشير إلى أنه وبحلول الأعوام الخمس المقبلة أو قبل ذلك سيصبح الاقتصاد الصيني هو اكبر اقتصاد في العالم. في النموذج الصيني، تم توظيف السلطة السياسية لضبط الأمن وتطبيق القوانين ومحاربة الفساد، وليس لتعطيل الأبداع، وراهن الغرب على أن الإبداع والابتكار لن يتحققا في إطار البيروقراطية التقليدية، لكن تلك النبوءة لم تتحقق، ومن هنا فإن التعامل مع الصين بات يأخذ شكلا مختلفا، ولعل الحرب التجارية المشتعلة بين أميركا والصين تذهب في ذلك الاتجاه، بحيث أن الرهان على الفشل الصيني وتعثر التجربة ثبت فشله. حيث كان العالم ينتظر إحدى النتيجتين :أن التطور الاقتصادي وتحسن المعيشة سيفضي إلى الديمقراطية وتبدل في سلوك النظام السياسي كما تحبذه دول الغرب أو أن تشهد التجربة انهيارا من الداخل بسبب العجز البيروقراطي. باختصار، كان العالم ينتظر تغير الصين، فإذا بها هي من يقود التغيير والعالم الى مرحلة جديدة، وبعد هذه الرحلة، بدأت الصين في التمدد الخارجي حماية لمصالحها وليس بالضرورة ترويجا لنهج جديد أو لتسويق نموذجها، ومن هنا جاءت مبادرة طريق الحرير، وبنك التنمية الاسيوي، والقطاعات الأربعة التي تركز عليها: النقل والطاقة والمياه والتعدين. وخصصت لذلك مبالغ كبيرة للاستثمار، وهي على استعداد لدراسة أي مشاريع يمكن أن تساهم بتحقيق ذلك المسار. الأردن يربطه بالصين اطار تعاون استراتيجي، ويمكن ان يكون الأردن جسرا لتنفيذ العديد من المبادرات المرتبطة بالمنطقة، لكن ذلك لن يتحقق دون جهود استثنائية، وعمل يخصص لتلك الغاية. بغير ذلك سيبقى حوارنا محليا مرتبطا بأداء الاقتصاد المتواضع، ولن يتحقق الاختراق المطلوب مهما اجتهدنا.اضافة اعلان