رحلة لإنقاذ مهاجرين في البحر الأبيض المتوسط

أنطوان لو سكولان* – (أوريان 21) 26 كانون الثاني (يناير) 2023 في بداية شهر كانون الأول (ديسمبر) 2022، وخلال أقل من 48 ساعة، أنقذت “هيومانيتي1″، وهي سفينة إنقاذ طولها 60 مترًا تابعة للمنظمة غير الحكومية الألمانية “أس أو أس هيومانيتي” SOS Humanity، عدداً من المنكوبين بلغ 261 شخصًا في عرض البحر قبالة السواحل الليبية. ويقدم أنطوان لو سكولان، وهو عضو في طاقم السفينة، عرضًا لعمليات الإنقاذ الثلاث هذه. * * ولدت المنظمة غير الحكومية “أس. أو. أس هيومانيتي” SOS Humanity في بداية العام 2022 من انقسام منظمة “أس. أو. أس ميديتيراني” SOS Méditerranée. وفضل الفرع الألماني مغادرة سفينة “أوشن فايكنغ” التابعة للمنظمة الأصلية، وشراء سفينة استكشافية علمية قديمة -بفضل تبرعات المجتمع المدني- بقصد مضاعفة عمليات الإنقاذ البحري، مع تبني خطاب سياسي مناصر أكثر حزماً. وفضلاً عن القبطان، يوجد على متن “هيومانيتي 1” سبعة وعشرون شخصاً من المتطوعين والبحارة المحترفين، وصحفية مستقلة. ويأتي معظم هؤلاء المتطوعين من بلدان أوروبية (رومانيا، فرنسا، بلجيكا، ألمانيا، إيطاليا وإسبانيا)، ويأتي بعضهم الآخر من بلدان أبعد، مثل المكسيك أو كندا. ويربط مكتب المنظمة الموجود في برلين العمل في البحر واليابسة. وأنا مكلّف بالترجمة الشفوية الفورية أثناء عمليات الإنقاذ. فبعد أن يتم إنقاذ الأشخاص المنكوبين، أقوم بتزويدهم بالمعلومات القانونية، أو أقوم بترجمة الفحوصات مع الفريق الطبي. وكان لي الحظ، كمنقذ بحري موسمي في الشركة الوطنية للإنقاذ البحري، أن أتعلم اللغة العربية في الأردن ومصر خلال سنوات عدة. كما أنني حصلت للتو على شهادة في المحاماة. وتسمح لي المشاركة في عمليات إنقاذ كهذه أن أفهم بطريقة أفضل مسارات الحياة المؤلمة لهؤلاء الأشخاص الذين يكافحون من أجل البقاء، ثم يكابدون مصاعب أخرى أمام الإدارات أو المحاكم الوطنية في الدول الأوروبية، على أمل الحصول على أوراق الإقامة أو اللجوء. يوم الأحد 4 كانون الأول (ديسمبر) 2022، عند الساعة الثانية والنصف، تلقت فرق “هيومانيتي 1” إنذاراً بخطر يداهم سفينة إغاثة إنسانية أخرى تُدعى “لويز ميشال”. وكانت هذه السفينة الأخيرة قد رصدت على بعد 60 كيلومترًا قبالة مدينة طرابلس الليبية نحو 103 أشخاص على قارب مطاطي مترهل. وكان على سفينة “لويز ميشال”، التي هي أصغر من أن تستوعب هؤلاء الأشخاص لفترة طويلة، أن تنتظر وصول سفينة “هيومانيتي 1” مع القيام بتوزيع سترات النجاة.

شجار في أعالي البحار مع ليبيين غريبي الأطوار

لسوء الحظ، كانت المياه قد غمرت القارب تدريجيا، ووصلت إلى المكان نفسه سفينة تابعة لما يسمى “خفر سواحل ليبيا”، مما عجل بالاستقبال الطارئ للمنكوبين على متن سفينة “لويز ميشال”. ووصل القاربان شبه الصلبان السريعان التابعان لسفينة “هيومانيتي 1” إلى عين المكان بينما كان آخر المهاجرين يصعد إلى متن “لويز ميشال”. واقترب ثلاثة ليبيين -من بينهم رجل مقنّع يرتدي زيًّا عسكريًا- من قاربنا شبه الصلب لمعرفة نوايانا، ولكن لم تجر أي محادثة بيننا باستثناء إيماءات قصيرة بالأيدي. كان مركبهم أصغر من قوارب النجاة السريعة التي يبيعها الإيطاليون ويستعملها في الغالب “خفر السواحل”. ربما ينتمون إلى ميليشيا خاصة. ومع ذلك يسمح محركاهم الكبيران الخارجيان بالتحرك بسرعة على الماء. وهم موجودون هنا فقط للسطو على محرك القارب المطاطي. ولكن حصل شجار عندما اقترب أحد القوارب شبه الصلبة التابعة لسفينة “هيومانيتي 1” من القارب المطاطي، إذ أشهر الليبيون عندئذٍ بنادق الكلاشينكوف، وفق رواية المصورة التي كانت موجودة على متن الباخرة، حتى يظلوا هناك وحدهم ويتمكنوا من أخذ المحرك بصفة متسترة، وهو ما قاموا به فعلا. سيتم من دون شك بيع المحرك إلى صيادين أو مهربين -وهو ليس قويًّا جدًّا ولكنه في حالةجيدة- مقابل بضعة آلاف من اليوروهات.

بين الانتظار والتعذيب في ليبيا

بعد ذلك مباشرة، بدأت عملية نقل المنكوبين من سفينة “لويز ميشال” إلى “هيومانيتي 1” بعد محاولات عديدة -وفاشلة- للاتصال بالسلطات البحرية المؤهلة. وخلال الليل، وفي بحر مضطرب قليلا، تم نقل 103 أشخاص -منهم نساء حوامل وأطفال- إلى الباخرة “هيومانيتي 1”. وقد زاد وجود سمكة قرش يفوق طولها المترين في التوتر السائد أصلاً، غير أن كل الناجين صعدوا إلى متن السفينة سالمين آمنين، وقامت باستقبالهم الفرق الطبية والإنسانية. في اليوم الثاني، عند لقاء المنكوبين، تتدفق الأحاديث وتعود ذكريات الأمس من جديد. أسأل بعضهم عما إذا كانت هذه هي أول محاولة لهم لمغادرة ليبيا. كان جواب بعضهم نعم. وكان آخرون في محاولتهم الخامسة. اندهشت لذلك. قال لي الشخص الذي حاول مرة واحدة فقط إنه ظل ينتظر لأشهر عدة، وإنه تعرض خلال ذلك إلى عذاب طويل. ما يزال شابا، لم يبلغ الثلاثين من العمر بعد، يرتدي ملابس جديدة قدمتها له الفرق عند وصوله إلى السفينة. وجهه متعب، متأثر بحياة صعبة للغاية. ويروي صديقه الذي حاول خمس مرات إحدى محاولاته التي انطلقت من تونس. بطريقة طبيعية وصوت ثابت، يسعى إلى إفهامي ما لا أستطيع فهمه ويبوح بما في نفسه. لقد رأى أصدقاءه يموتون حوله في السنة الماضية. غرق قاربه ووجد مائة راكب أنفسهم في الماء، فمات نصفهم غرقاً. كان هو وآخرون محظوظين، إذ بقوا على قيد الحياة حتى وصول قارب صيد تونسي إلى مكانهم في عرض البحر. في أمسية 5 كانون الأول (ديسمبر)، ومن دون أن يكون لديها وقت للراحة، كان على الفرق أن تتأهب للمغادرة. لقد رصدت سفينة “لويز ميشال” مرة أخرى قاربًا في حالة خطر. كانت الريح تكنس البحر، والأمواج أعتى منها في الليلة السابقة، تشق القوارب شبه الصلبة طريقها في الظلام إلى المكان المحدد. خلال الدقائق العشر الطويلة التي استغرقتها الرحلة، كان لنا الوقت للأسف لتخيل الأسوأ، والخوف من أن نكون مضطرين إلى جمع الجثث فقط. عند وصولنا إلى عين المكان وجدنا قاربا خشبيا بطول بضعة أمتار عليه حوالي 50 شخصًا متراصين. وكانت الأمواج تُطوح بالقارب بقوة.

“سأحاول صنع معجزات”

دراغوس هو رجل روماني في الأربعين من العمر، منسق العملية على متن قاربنا شبه الصلب. وهو على دراية تامة بالوضع بفضل تجربة اكتسبها من خلال عشرين عملية إنقاذ في البحر. يؤكد لنا أن القارب قد ينقلب في أي لحظة. وإن حدث ذلك، فمن المرجح أن يهلك البعض. يجب التحرك بسرعة وقد تكون أي حركة داخل القارب المنكوب قاضية. “سأحاول صنع معجزات”، هذا ما قاله في الراديو عندما طلب منا جوشوا، قبطان “هيومانيتي 1″، القيام بعملية الإنقاذ. كُلفت بأن أكون المحاور بين القارب شبه الصلب والمنكوبين، وعددهم 49، جميعهم ناطقون باللغة العربية. كان يجب قبل كل شيء قول جملة سريعة باللغة الانجليزية، لجعلهم يفهمون بأننا لسنا ليبيين، وإلا سينتابهم الذعر وينقلب القارب. ثم أشرح لهم باللغة العربية أننا سننقلهم الواحد تلو الآخر من مؤخرة القارب. كان الضغط على الفرق كبيرًا. وخلال ساعتين تقريباً، في عز الليل ووسط الأمواج، نجح رجال إنقاذ “هيومانيتي 1” في انتشال 49 شخصاً الواحد تلو الآخر، من دون فقدان حتى شخص واحد. مرة أخرى كان هناك، قارب ليبي حاضر في المكان نفسه. سيحرقون القارب الخشبي في الليل بعد أن يستولوا على المحرك.

مصريون بأعداد متزايدة

بعد صعودهم على متن السفينة، يستعيد المنكوبون أنفاسهم ومعنوياتهم وينفجرون فرحا. أغلبهم من مصر، ولكن من بينهم أيضاً أشخاص من سورية والسودان وتشاد. لا يوجد سوى عدد قليل من النساء -لكنهن يصبحن موجودات بشكل متزايد في صفوف اللاجئين الذين يحاولون العبور- ومعظمهم من الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و30 عاما. ويشكل وجود المصريين بين اللاجئين إحدى سمات آخر التطورات المعاصرة في مجال الهجرة. ويشرحون لي أن عدداً متزايداً منهم يفرّ من الخدمة العسكرية الإجبارية أو الحياة الاقتصادية الخانقة. وهم يعبرون الحدود سيراً على الأقدام في الصحراء، على بعد بضعة كيلومترات من الساحل. وإذا تمكنوا من تجنب إطلاق النار من الجيش المصري أو اختطافهم من قبل الميليشيات الليبية، ينطلقون إمّا مباشرة من شرق ليبيا، في محيط طبرق، أو أنهم يخاطرون بالسفر إلى محيط طرابلس. وقد دخل هؤلاء البحر انطلاقاً من غرب طرابلس.

حلم كرة قدم

بعيد ساعات قليلة من انتهاء عملية الإنقاذ المحفوفة بالمخاطر، ومع شروق الشمس، أُطلق إنذار جديد. تم رصد قارب مطاطي يتسع لـ103 أشخاص، وكانت سفينة “لويز ميشال”، مرة أخرى، أسرع من “هيومانيتي 1″، حيث وصلت بسرعة إلى الموقع لتثبيت القارب وتوزيع سترات النجاة. ينتاب الركاب المنكوبين -وأغلبهم من الناطقين بالفرنسية من سنغاليين وإيفواريين على وجه الخصوص- ذعر شديد، وكان من الصعب تهدئتهم. كانت المياه قد تسربت إلى القارب وكان من الصعب تنظيم عملية الإنزال منه. وعلى الرغم من احتياطاتنا، كان المنكوبون عندما نمسك بأياديهم يلقون بأنفسهم -بأتم معنى الكلمة- فوق أجسادنا ليحطوا عند أقدام روبن، الطيار الألماني. ونحن نقوم بالمناورة، رصدنا قاربًا آخر على بعد بضعة أميال بحرية في وضعية مماثلة. لسوء الحظ، شاهدنا الليبيين يصلون وحدهم إلى ذلك المكان. كما كان الحال خلال عملية الإنقاذ الثانية، يتعلق الأمر بسفينة “خفر السواحل” الليبية، بحجم سفينة “لويز ميشال” تقريبًا. وعلمنا بعد انتهاء عملية الإنقاذ أنهم أخذوا بالقوة معظم المنكوبين، باستثناء ستة أشخاص فضّلوا الإلقاء بأنفسهم في الماء بدل العودة إلى ليبيا. قامت باخرة “لويز ميشال” بتأمين هؤلاء، حيث ألقيت إليهم أطواق النجاة قبل أن تستعيدهم “هيومانيتي 1”. وقد عبّروا لنا عن سعادتهم لتمكّنهم من الالتحاق بنا، ولكن أيضا عن مدى رعبهم، كونهم يعرفون أن بعض أحبائهم قد عادوا إلى عالم من التعذيب والتعاسة. في يوم الثلاثاء 6 كانون الأول (ديسمبر)، عند الصباح، كان هناك 261 شخصا على متن سفينة “هيومانيتي 1”. وفي صباح اليوم التالي، وبعد تقديم الإسعافات الأولية وتوزيع البطانيات تحسّبًا لبرد الليل، أوضحت جوتا، منسقة الفريق الطبي والإنساني، للجميع، أنه قد يتعين علينا انتظار بضعة أيام أو حتى بضعة أسابيع على متن السفينة. أولا، لأنها قد تكون هناك عمليات إنقاذ أخرى يتوجب تنفيذها. ثانيا، لأن إيطاليا أصبحت ترفض أكثر فأكثر فتح حدودها للمهاجرين. وخاطبني نيجيري ضاحكاً بأنه لا حرج في ذلك، وأنها ليست هناك مشكلة في البقاء على متن السفينة لمدة سنة إذا لزم الحال، ما دام لن يعود إلى ليبيا. بعيدا عن هذا المشهد، على الجسر العلوي للسفينة، كانت هناك مجموعة من الناطقين بالفرنسية يتحدثون فيما بينهم وهم يحدّقون في مياه البحر. أشار إيفواري إلى قدميه قائلاً إنه يرتاح بالنوم هكذا. “هكذا؟ ما معنى هكذا”. يشرح لي أنه خلع حذاءه الآن، وأنه كان من المستحيل بالنسبة إليه النوم بلا حذاء في ليبيا، لأن الحراس أو الجيران قد يأتون في أي لحظة لضربك أو سرقتك. ولذلك يتعين عليك أن تكون جاهزا للهروب جريا في أي وقت. وعلى مستوى الجسر السفلي للسفينة، يقف مراهق صغير وحيداً تماماً. إنه سنيغالي، يريد أن يصبح لاعب كرة قدم في مرسيليا. وهو هنا مع شقيقته الصغرى. لقد رآها في الصباح، ولكن لا يمكن رؤيتها عندما تدخل غرفتها. على السفينة، ممنوع منعًا باتًا على الرجال والمراهقين دخول غرفة النساء والأطفال الصغار. لا أجرؤ على سؤاله كيف وصل إلى هنا وحده مع شقيقته. لي أن أتخيل. هناك أيضا رفيق له مصري، وهو شاب مراهق مثله، ترك مصر وحده ويريد -هو أيضًا- أن يصبح لاعب كرة قدم، ولكن في ألمانيا. وتحميه وتعتني به مجموعة من المصريين.

ليبيا، عالم آخر

في وقت لاحق، أخبرني مواطن غامبي فطن بأنه يحقّ للشرطة في أوروبا حبس الأشخاص، لكنّ ذلك يتطلب حكما قضائيا، بينما في ليبيا يأخذونك مباشرة من البحر إلى السجن. ثم وصف لي سجن ورشفانة، حيث يقبع آلاف الأشخاص ويموت الناس كل يوم. أستفسرُ عن هذا السجن من مجموعة الناطقين بالفرنسية الذين التقيتهم سابقاً في الجسر العلوي. كلهم يعرفونه. شرح لي مواطن سنيغالي أن هذا الجحيم كان في السابق مستودعا للحيوانات. وأن الناس هناك مكدّسون في القبو. كان يرى الليبيين ينقلون كل يوم بين خمس وست جثث. وقال لي مواطن غيني شاب إن شقيقه الأصغر ما يزال هناك. بعد حديث مطوّل حول التعذيب وظروف العيش في ليبيا، أفهمني شاب إيفواري أخيراً، وبكلمات بسيطة، ما تمثله الضفة الأخرى من المتوسط: إنه لا يرى في ليبيا بلداً آخر، بل عالماً آخر. في بعض الأحيان يطلب منا الفريق الطبي -المتكون من طبيب وممرضة وقابلة- أن نأتي للترجمة من الفرنسية أو العربية إلى الإنجليزية. فضلاً عن العلامات الجسدية للتعذيب، لم يعد بإمكان المنكوبين الأكل أو النوم كما يجب. وعندما نسألهم منذ متى وهم على هذه الحال، يجيبوننا بعدّ الأشهر أو السنوات. وعندما نسألهم منذ متى وصلوا إلى ليبيا، ندرك أن الرقمين يتطابقان. يقوم الطبيب دييغو بإجراء الفحوصات، ويكلمني أحيانا فجأة بالإسبانية، اللغة التي لا أتقنها. ثم يستدرك ويواصل بالإنجليزية. وعلى الرغم من مهنيته، فإن ملامح وجهه التي تحيط بها علامات التعب وصوته يفضحان حالته. قال لي فيما بعد إن هناك فرقاً بين السماع عن هذه “القصص” في التلفزيون أو قراءتها في مقالات صحفية، ومشاهدتها حية باستمرار طوال اليوم.

هبوط تحت حراسة مشددة في باري

فرق سفينة “هيومانيتي 1” منهكة، وهي تسترجع أنفاسها ببطء من المشاهد المروعة التي عاشتها. يشرح لي رونو، وهو من فريق الزورق شبه الصلب حيث كنت موجودا، أن انفعاله كان شديداً للغاية عندما شاهد ما بداخل القارب المطاطي الذي تم “إنقاذه” من طرف الليبيين والذي لم يتمكن من الهروب منه سوى ستة أشخاص. كانت هناك ملابس أطفال متناثرة على الأرضية. وبعبارة أخرى، يعني هذا أن هناك أطفالاً عادوا إلى الجحيم الليبي بينما كان آخرون أكثر حظا. أرسل قبطان “هيومانيتي 1″، المصحوب بضباطه وبمراقبة إنسانية، طلبات عدة بتوفير “ملاذ آمن” من أجل النزول في أوروبا. وبعد خمسة أيام طويلة من عملية الإنقاذ الأولى، استجابت السلطات الإيطالية في النهاية بشكل إيجابي، وحددت ميناء باري كموقع للنزول. وعلى الرغم من أن وجهة باري لم تكن محبذة نظراً للمسافة التي يجب قطعها في البحر الأدرياتيكي والعاصفة التي يجب مواجهتها، إلا أن سلوك السلطات الإيطالية فاجأ القبطان الذي كان يتوقع الانتظار لمدة أطول. وبالفعل، في الشهر السابق، اضطرت العديد من السفن الإنسانية مثل “هيومانيتي 1″ و”أوشيان فايكينغ” أو “جيو بارانتس” إلى الانتظار لمدة لا تقل عن ثلاثة أسابيع. تعرض كل الناجين الذين أنقذتهم سفينة “هيومانيتي 1” من دون استثناء -وعددهم 261- إلى معاملة غير إنسانية أو مهينة في ليبيا، وهم في حالة وهن شديد. وقد يميل المرء إلى الاعتقاد بأن هذه الحالة من الحسرة لا يمكن أن تكون سياسية، بل هي إنسانية فقط. كان لهؤلاء الأشخاص الحظ في النزول بسرعة تقريباً في أوروبا. وكانت هناك جمعيات وشرطة بأعداد كبيرة في استقبالهم. غير أن كل أفراد الطاقم يدركون أن المهمات المقبلة قد تعاني، مرة أخرى، من اللعبة الدبلوماسية الرهيبة التي تقوم بها الحكومات الأوروبية. فقد فضلت الحكومة الإيطالية الجديدة، بعد أن تباهت بإغلاق أبوابها أمام سفينة “أوشيان فايكينغ” في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، أن تقلل من حماسها المعادي للأجانب، ولعب لعبة المؤسسات الأوروبية لكسب مصداقية، والاستمرار في الاستفادة من اتفاقيات تحويل طالبي اللجوء داخل أوروبا. ولكن هل ستُغلَق أبواب أوروبا أمام اللاجئين مرة أخرى؟ تعرف المنظمة غير الحكومية “أس. أو. أس. هيومانيتي” أنه سيتعين عليها مواصلة النضال للدفاع عن الحق والواجب في إنقاذ منكوبي البحر ونقلهم إلى بر الأمان. *أنطوان لو سكولان: محامٍ وناشط إنساني. ترجم المقال من الفرنسية حميد العربي. اقرأ أيضا في ترجمات:
اضافة اعلان