رحم الله صلاح غنام

د. محمود قدوم

في مثل هذه المناسبات يعزّ الكلام، ويعيا اللسان، ويجفّ القلم، ليغدو الصمت أوجد على التعبير عن الحال.
نعم ترتجف الأوصال بذكر اسمه، وترتعد الفرائص بذكر رسمه، وتنثني العيون دمعا وشوقا وذكرى في العام الأول لوفاته.اضافة اعلان
نعم، ما أزال أذكر صلاح غنام، وإن رحل عنّا بجسده، فإنّ آثاره ومآثره العطرة بقيت ميسماً يدلّ عليه، وجد في جيفارا نظيره جموحَ نفْسٍ وحساسيةَ كرامةٍ، فَدَوّن عبارته السائرة:”الموت ينام بالقرب من أحلامه”، ومع كلّ هذا وذاك، فقد عهدناه متقصّداً حيناً، وعفوياً أحياناً وصادقاً في كلّ حين.
ماذا أقول لصاحب ذهلَتْ جُموعَ العُربِ صهوةُ حرفِهِ، ومشى على نهر الكلام مُجففاً أوتارَ نَجْمات الضياء بوصفِه،حمل الشموس بكفِّهِ.. قهرَ العدوَّ بصرفِهِ،وبكى لحزن الحبِّ من صمتٍ وأكثر، وروى بفوضى الروح ملحاً وزيتاً وزيتوناً وزعترْ..
لكنّ سلواي اليوم شعوري أنّ صلاحاً يحلّق بروحه بيننا، فأتذكّر بَسَمَاتِهِ وهَمَسَاتِهِ ولَمَسَاتِهِ وسِمَاتِهِ، حتى ليُفني أبو الوليد مقولة المستحيلات الثلاثة، ويجعلها في اثنتَيْن، هما: الغول والعنقاء، ويظلّ مثالاً صادقاً للخلّ الوفي.
لم يكن من المفتونين بشهوة الظهور، أو اللاهفين وراء المال والمنافع الشخصيّة، بل كان اسمه قسيم حياته؛ صلحاً وإصلاحاً، ومصالحة؛ لذا فما يزال التحنان دائماً إليه، وما يزال العقل مشغولاً به، وما يزال الدعاء موصولاً إليه.
لم يمض صلاح، بل ترك طيفاً غامضاً يحرّك الحزن فينا، أمّا نحن فسنمضي فرادى بعد أن انسلّ الخيط الناظم للُحمتنا وجمعتنا، وأبقى لنا إضافة إلى مآثره التي ذُكرت، وليدا، هذه الزهرة التي تطرق قلوبنا كلّ يوم بمحبة ووداعة فلا يسعنا إلا أن نضمّها بين جوانحنا بشغف.
فعليك يا صلاحُ السلامُ، وتنزّلت على جَنَبَات قبرك هاطلاتُ الغمام، وأغدق ربّي على رفارفِ روحك يا أبا الوليد عيونَ الرضا من ذوي النُهى والعقول والإعلام.
ودّعتُه وبودّي لو يودِّعُني      صفوُ الحياةِ وأنِّي لا أودِّعُهُ