رحيل الدكتور سليمان الدحابرة "جندي الطب العام"

غادرنا أمس واحد من نبلاء البلد، هو الدكتور سليمان الدحابرة عن 86 عاماً ظل حتى آخرها في عيادته يهبّ مسرعا لاستقبال زوّاره ثم يرافقهم بابتسامة واسعة تشبه الضحكة الممتدة. أجريت معه ثلاث مقابلات مطولة، إحداها بعد أن نبّهنا صديقه وزميله الدكتور زيد حمزة، متعه الله بالصحة، إلى أن الدكتور سليمان كان يلقب أثناء الدراسة في القاهرة في خمسينيات القرن الماضي بـ"شاعرنا الوطني"، وخاصة بعد أن كتب قصيدة عن معركة "بور سعيد"، وهي القصيدة التي تحولت إلى نشيد غنته ثلاث مطربات حينها، واحتفت به الصحافة المصرية وتلقى بعدها تكريما من طه حسين، وقد نشرت التفاصيل والصور في موقع "زمانكم" المختص بالماضي والأرشيف. قبل ذلك قابلته في سياق إعداد كتاب عن قصة الشيوعية في الأردن متمحورة حول سيرة المناضل عيسى مدانات شافاه الله، وهو أحد أبرز المؤسسين. وبالطبع لم يكن الدكتور سليمان الدحابرة شيوعيا ولا حزبياً بشكل عام، لكنه كان شاهدا على بعض المحطات، ومن بينها زياراته كطبيب حكومة لسجن الجفر ولقاءاته مع المعتقلين وحواراته معهم برفقة زميليه توفيق كرادشة ومحمود علاوي. فقد عمل المرحوم الدحابرة في مديرية صحة الكرك التي كان سجن الجفر ضمن مسؤولياتها. لكن تجربة الدكتور المهمة تقع في ميدان عمله في الطب العام في عقد الستينيات ومطلع السبعينيات، وهي التجربة التنموية الرائدة التي من المحزن أنه جرى ويجري إهدارها وتدميرها. كان الدكتور سليمان شاهدا ومشاركا في تجربتين كبيرتين هما: مستشفى الجامعة (كان اسمه مستشفى عمان الكبير) ثم تأسيس كلية الطب في الجامعة الأردنية. يقول الدكتور سليمان: كان طبيب الحكومة "جندياً" في عمله، فعندما تقرر البدء بتشغيل المستشفى، جمع الوزير المرحوم فريد العكشة الأطباء المختصين من العاملين في الحكومة، وأبلغهم أنه وعد الملك حسين بافتتاح المستشفى بكوادر من الوزارة، وطلب منهم عن طريق "النخوة" أن يعمل كل منهم ليوم أو يومين، ويتذكر أن الوزير بدأ به قائلاً: "يا سليمان هل توافق" فأجبته "تكرم"، ثم واصل السؤال للزملاء الذين وافقوا بدورهم. ويعلق الدكتور سليمان: كان الطموح والحماس يملأنا. أما كلية الطب التي تلت المستشفى، فيتذكر الدكتور أن فكرة إقامة كلية طب في الأردن كانت خيالية في ذلك الوقت، ولكن كان طموحنا أن نبني كلية تخرج أطباء يعرفون المرض والصحة في مجتمعهم هم. وقد انقسم الأطباء إلى فريقين، أحدهم متحمس يقوده الدكتور عبدالسلام المجالي، والثاني مشكك، ويضيف كنت من المتحمسين للفكرة، ولإنجاحها كان علينا أن نقرأ ونتعلم أكثر من طلابنا! طيلة جلسات الحوار الذي أجريته مع الدكتور سليمان، ظل يصر على تذكر زملائه من أطباء القطاع العام، وكان يبدي أسفه لأنهم لم يأخذوا حقهم في ذاكرة البلد ومن الأسماء التي سجلتها عنه: ياسر عمرو ونبيه معمر ووليد بسيسو وزيد حمزة وكاميران نبيل وعصام حجازي وحسام المحتسب وأنور حدادين، يوسف حمزو، ومحمود عمرو وزكريا داوود والتخدير فايز الرواشدة. رحم الله سليمان الدحابرة، طبيبا وشاعراً وجنديا محاربا في معركة نمو وبناء البلد.اضافة اعلان