رحيل غويتيسولو: العرب يخسرون صديقا ناضل من أجل قضاياهم

الكاتب الإسباني الراحل خوان غويتيسولو - (أرشيفية)
الكاتب الإسباني الراحل خوان غويتيسولو - (أرشيفية)

عمان-الغد- توفي في مراكش أمس، الكاتب الإسباني خوان غويتيسولو المعروف باهتمامه بالثقافة العربية ودفاعه عن العالم العربي، بحسب ما أعلن وكيل أعماله في برشلونة.اضافة اعلان
وتوفي الكاتب والمفكر الحائز في العام 2014 جائزة "سرفانتس" كبرى جوائر الأدب الإسباني، في منزله في مراكش محاطا بالمقربين، بحسب ما جاء في بيان لدار النشر "كارمن بالسلز".
وعانى الكاتب البالغ من العمر 86 عاما من مشكلات صحية في الأشهر الأخيرة، منها كسر في الورك أقعده على كرسي متحرك.
وكان الكاتب الراحل يعرف بدفاعه عن العالم العربي واهتمامه بأميركا اللاتينية، وتميز بأسلوب فريد غير متوقع هو ثمرة لاستقلاله الفكري.
ولد في برشلونة في العام 1931، وهو كاتب عدد كبير من الروايات والمقالات والكتب، وقد انطلق في الكتابة العام 1954 مع كتاب "ألعاب اليد".
كان معارضا لنظام فرانكو وغادر بلده هربا من الاستبداد، ومنعت كتبه في بلده في ما كانت منتشرة في باريس وبوينوس إيرس ومكسيكو.
وحاز في حياته على عدد كبير من الجوائز إضافة إلى جائزة "سرفانتس"، منها الجائزة الدولية للأدب الإسباني في العام 2008، وجائزة خوان رولفو عام للأدب الأميركي اللاتيني عام 2004.
وخوان غويتيسولو هو صحفي، مفكر، أديب ومستشرق إسباني، يعتبره الكثيرون من أهم الكتاب الإسبان، واشتهر بمناضلته للجنرال فرانكو. تتناول كتاباته الآثار العميقة للغة والثقافة العربية في المجتمع الإسباني إلى اليوم. ويأتي كتابه المُترجم للعربية "إسبانيا في مواجهة التاريخ" على رأس مؤلفاته في العالم العربي.
وُلد ببرشلونة والتحق بثانوية اليسوعيين، وابتدأ دراسة الحقوق بجامعة المدينة، لكنه لم يُكملها. بعدها ابتعد عن محيط عائلته المرموق، العام 1956 سافر خوان إلى مهجره الاختياري باريس، حيث تعرف على مندوبين لمجلتي رواية جديدة (Nouveau Roman) ومجلة تيل كيل. وعمل في باريس كمستشار أدبي في مطبعة جاليمارد. كما عمل استاذاً في جامعات جولا في كاليفورنيا وبوسطن ونيويورك.
خوان معروف بقضاياه لمناصرة الإسلام والمسلمين والقضية الفلسطينية، وهو من عائلة مثقفة فإخوته أدباء إسبان كبار. فأخوه لويس غويتيسولو أحد أشهر الكتاب الإسبان وكذلك أخوه الشاعر المعروف أوغستين غويتيسولو.
اشتهر بنضاله ضد الجنرال فرانكو فلم يستطع العودة إلى إسبانيا إلا بعد زوال حكم فرانكو الذي حكم عليه غيابياً. من أشهر مواقفه موقفه ضد الاستعمار الفرنسي للجزائر وكيف كان يخبئ الجزائريين عنده في البيت ويوفر لهم الحماية. جمع بين الثقافة العربية والإسلامية والأندلسية والإسبانية واللاتينية والفرنسية لأنه عاش فيها وثقافته الإنجليزية عندما درس في أميركا. ساند غويتسولو إبان الحروب اليوغوسلافية، المقاومة البوسنية المسلمة في سراييفو بكل مؤلفاته ومقالاته.
يعتبر نفسه أحد المستعربين الحاليين، ويوضح عادة في كتاباته الآثار العميقة للغة والثقافة العربية في المجتمع الإسباني إلى اليوم. ضرب الكاتب عدة أمثلة على ذلك، حيث أن هناك حوالي أربعة آلاف كلمة عربية في اللغة الإسبانية بفضل جهود المستعربين الإسبانيين الذين تعلموا العربية وتكلموا بها زمن الحضارة العربية الإسلامية في الأندلس.
لغويتيسولو مؤلفات عديدة، مثل: الإشارات، مطالبات الكونت السيد خوليان، لمحة بعد المعركة، إصلاحات الطائر المنعزل.
عاش سنواته الأخيرة بمراكش في المغرب قُبالة ساحة جامع الفنا.
الإعلامي المغربي  نزار الفراوي، نشر قبل عام في صحيفة ذوات الفكرية الثقافية، مادة مطولة عن الأديب الإسباني، اعتبر فيها أن وصف غويتيسولو بالكاتب الإسباني منافياً للمدار الكوني الذي ارتضى هذا المثقف والروائي الكبير أن يقيم به، وهو الذي يعد الانتماء القطري ليس إلا رافدا وحساسية خاصة يحملها كاتب يعي حركته في التاريخ البشري وانتماءه لأفق كوني، لا معنى فيه للحدود، بقدر ما تؤثثه قيم المشاطرة والتلاقح والتنوع الثقافي والتضامن وتقاسم الثروات الرمزية والمادية.
ويقول إن خوان يجسد أنصع وأعمق تجليات الالتزام بأخلاقيات مهنة المبدع والمفكر، فهو يستقي مرجعيته من النموذج الإنساني الذي حفظته سير الشخصيات الكبرى التي عبرت التاريخ بإيمان عنيد بقيمة الإنسان ومثل الوحدة في المصير وحقيقة الإسهام المتكافئ للجماعات في صنع التراكم الحضاري الكوني ودور صاحب الرأي والموهبة في حفظ ثقافة الضمير المغيب في لجة المصالح المتضاربة والانتهازية الفجة.
ويلفت الفراوي إلى قول خوان وهو يتسلم أرفع جوائز الثقافة الإسبانية، جائزة سيرفانتيس، إنه يهدي تتويجه إلى ساكنة المدينة العتيقة بمراكش، المدينة التي زارها بداية السبعينيات من القرن الماضي، وعرف سريعا أنها المكان الذي يمكن أن يستوعب شغبه وانجذابه إلى الهامش وسأمه من المركزية الغربية. قال إنه يخص أهل المدينة الحمراء بتلك الجائزة، "لأنهم احتضنوني بحنان في مرحلة حرجة من حياتي، في شيخوختي".
ويشير إلى قصة تحد خاضها الأديب استغرقت سنوات لتتوج بإعلان ساحة جامع الفنا تراثا مشتركا للإنسانية من قبل منظمة اليونسكو. كان خوان قد تحرك على مدى سنوات مسنودا بجماعة من المثقفين والفنانين المغاربة، من أجل منع تنفيذ مشروع لإقامة منشآت عقارية في مكان استراتيجي في قلب المدينة، وبالتالي إقناع المنظمة العالمية ببسط رعايتها لمكان يعتبر أنه "لا نظير له في العالم، يمكن إزالته بقرار إداري لكن لا يمكن إقامته بقرار مماثل".
ويبين أن خوان كان وراء منعطف تاريخي في حياة الساحة الأثيرة لديه، التي أمضى فيها أكثر مما أمضاه من وقت في أي مكان آخر. شعلة البداية مقال نشره في "لوموند ديبلوماتيك" الفرنسية حول التراث اللامادي للإنسانية، وساحة جامع الفنا كنموذج لهذا التراث المهدد بالتجاهل والنسيان وهجمة الإسمنت. بتنسيق مع المدير العام لليونسكو ساعتها، فيديريكو مايور، تم اعتماد قائمة جديدة للتراث الإنساني تشمل الجوانب اللامادية، فكان لساحة جامع الفنا حظ ولوج الكونية.
ويؤكد الكاتب أن هذه المغامرة من أجل ساحة جامع الفنا، لا يعدو أن يكون خوان ذلك المناضل الجسور الذي جسدته سيرته الطويلة. إنه عدو النظام العسكري اليميني لفرانكو، ومناصر الثورة الجزائرية في مقاومتها للاستعمار الفرنسي، وحليف القضية الفلسطينية، والمندد بحرب الإبادة التي شنها الصرب ضد مسلمي البوسنة، وبصمت الغرب على الجرائم المرتكبة في عدة مناطق بالجنوب وبالعالم العربي الإسلامي خصوصا.
ويؤكد أنه أينما حل، يبشر خوان بإسهامات العرب والمسلمين في إثراء التجربة الحضارية الكونية، ويفضح التعتيم الذي تفرضه الآلة الإعلامية وأيديولوجيا المركزية الغربية. بقدر وفائه لسلالة كبار كتاب اللغة الإسبانية، يدين خوان غويتيسولو، الذي يصفه كارلوس فونتيس بأنه أحد عمالقة الأدب الإسباني الحديث، بفضل عيون الأدب العربي.
وفي كتاب بعنوان "إسبانيا في مواجهة التاريخ" يرى غويتيسولو أن طرد العرب من إسبانيا كارثة حضارية كبيرة، أفضت إلى فقر ثقافي وحضاري لإسبانيا، وتشويه صورتها بالتعصب وكراهية الآخر. فكرة "الآخر"، المغيب والمشوه والمنبوذ، تظهر جلية أيضاً في عدد من رواياته الغزيرة التي يصح النظر إليها كجسر أثيري إبداعي بين الشرق والغرب. إنها سيرة كاتب يعطي الكلمة للهامش، للمحجوب والمغيب.
ويضيف "هي فتنة الجنوب الآسرة، وسيرة العين التي ترى أبعد من البحر الحاجز بين الشمال والجنوب، فليست غواية عجائبية أو شغفا غامضا، بل اختيارا واعيا مبنيا على وازع الإنصاف الحضاري للآخر من جهة، والنقد الذاتي للتجربة الغربية من جهة أخرى. ذلك منطلق علاقته الخاصة بالثقافة العربية الإسلامية ودفاعه المستميت عن مكانتها، وإسهامها في إثراء الرصيد الكوني الفكري والعلمي والأدبي".
ويلفت إلى أن خوان لم يتقن اللغة العربية الفصحى، لكنه اطلع على جانب كبير من التراث الأدبي والفكري والصوفي العربي الإسلامي في تصانيف بالفرنسية والإسبانية والإنجليزية. وفي ذلك، لا يخفي إعجابه بتراث ابن عربي، وخصوصا مؤلفه "الفتوحات المكية" الذي يرى أنه مرجع خالد في مجال الخيال الديني وروح التصوف العميقة. قرأ جل أعمال هذا الصوفي الكبير، بمذاق مغامرة أدبية متفردة. كذلك شأنه مع ابن الفارض، شاعر الصوفية الكبير وفريد الدين العطار، لاسيما في تحفته الخالدة "منطق الطير". وعلى قدر إعجابه بتراث عربي إسلامي خصب ومتنوع، يرى خوان أن الحضارة الغربية لا تبدي الاعتراف الواجب بعطاءات العرب والمسلمين.
ويؤكد أن خوان صديق قديم ومخلص للقضية الفلسطينية، بعد أن كان صديقا للثورة الجزائرية والجزائر إلى حين الإطاحة ببن بلة. حين يسأل عن مآلات الصراع ومتاهات التفاوض بين الطرفين وتوازنات الفرقاء على الأرض يشبه الوضع بمشهد طرفين يجلسان إلى طاولة، يتصارعان على حق الحلوى. أحدهما يقضم الحلوى ويقول بين الفينة والأخرى إنه مستعد للتفاوض على ما بقي لكن لا مجال للعودة إلى الوراء، وتتجدد اللعبة في حلقة مفرغة على حساب فلسطين وحقوق شعبها.
زار فلسطين للمرة الأولى في 1988 في ذروة اندلاع الانتفاضة الأولى مع فريق تلفزيوني إسباني، وتعرض مباشرة لمضايقات سلطات الاحتلال التي لمس على الأرض خروقاتها ومظالمها، وعاد إليها في العام 2005، ليقف على حال ما بعد اتفاقات أوسلو التي شاطر حينئذ موقف المفكر الراحل إدوارد سعيد منها: "لقد كانت استسلاما"، وإن تفهم أن القيادة الفلسطينية وجدت نفسها بعد حرب العراق منزوعة من المساعدات العربية ووحيدة في مواجهة الغطرسة الإسرائيلية المدعومة بالقوة الأميركية. - (وكالات)