رزنامة الإصلاح

كان لاستجابة الأردن للمطالب الإصلاحية، والتفاعل معها بإيجابية، أثر رئيسي ومباشر مكّن الأردن من أن يدير المرحلة السياسية بثقة وكفاية، وأن يخطو خطوات إصلاحية مقدرة وبأقل كلف سياسية وأمنية كان يمكن أن نتكبد. صناع القرار لم يخونوا المطالب الإصلاحية ولم يستخفوا بها ولم يدفنوا رؤوسهم بالرمال متخيلين عدم وجودها، والنتيجة كانت أن غالبية الأردنيين تبدو مقتنعة بحجم وسرعة ونوعية الإصلاح الذي يجري العمل عليه، وإن كانت ما تزال قلة قليلة منهم، تقدر بالعشرات بحسب مسيرات الجمع، تريد وتطالب بالمزيد، وهذا حقهم من حيث المبدأ، رغم أنهم بحاجة إلى ترشيد شعاراتهم للتفريق بين شعارات التطاول المؤذي وغير الإصلاحي والشعارات المؤثرة والإصلاحية.اضافة اعلان
الدولة الأردنية استمعت وباهتمام وكثافة على مدار المرحلة الماضية لآراء الأردنيين حول القضايا الوطنية الملحة، وكيفية التعامل مع التحديات، ما جعلها قريبة من نبض الرأي العام تتفهمه وتستجيب له، أو تحاول توجيهه بعقلانية وإقناع. وهذا تماما ما جعلها تشق طريقا إصلاحيا استجاب للعقلاء المطالبين بالإصلاح، واحتوى المتحمسين المسرعين نحو الإصلاح، وعزل الغلاة الذين يريدون قفزة إصلاحية في المجهول ولا يتقنون إلا الرفض والمعارضة العدمية.
المرحلة المقبلة، بحسب رؤية المراقبين والمؤثرين في الرأي العام الإصلاحي، تحتاج إلى رزنامة واضحة للخطوات الإصلاحية المنوي اتخاذها من قبل الدولة التي تعي تماما ضرورات وفائدة وجود هكذا رزنامة. فمن شأن ذلك أن يبدد مقولات أن الدولة تبتاع الوقت حتى تتهيأ الفرصة للانقضاض على الإصلاح وإيقافه، أو أن الدولة غير جادة بالإصلاح ولا تحمل نوايا سليمة تجاهه. رزنامة إصلاحية ستريح الرأي العام وتوضح المشهد وتفوت الفرصة على من يبثون به سلبية سياسية مؤذية. وفي هذا مصلحة للدولة التي تدرك تماما أن لا رجعة عن الإصلاح، وأنها بحاجة إلى تطوير أدوات وتفاعلات المرحلة السياسية القادمة لأنها ستكون مختلفة وبشكل كبير عن المراحل السياسية السابقة.
دور مجلس النواب مفصلي وحاسم ضمن أجندة العمل الإصلاحي القادمة، إذ يتوقع منه أن يقر التعديلات الدستورية وقانوني الانتخاب والأحزاب. ومهم أن نعي أن قبول دور مجلس النواب في هذه المرحلة يأتي لأسباب الضرورات السياسية ليس إلا، لأن هذا المجلس انتخب على أساس قانون الدوائر الوهمية سيئ الصيت، والذي ألغي وفقد قبوله السياسي لدى المجتمع الأردني. لذلك، فلا يتوقع من مجلس النواب إلا أن يتفاعل إيجابيا مع مخرجات لجنة تعديل الدستور ولجنة الحوار، لا أن يتصرف باستقلالية سياسية عن ذلك. فإن لم يفعل، فالأرجح أن ذلك سيؤذي جهود الإصلاح الذي التف حوله الأردنيون، وسينظر كثير منهم إلى أي محاولة لتحوير أو تعديل مخرجات اللجان على أنها توزيع أدوار سياسية لن يقبل به أحد.
مجلس النواب سيدخل التاريخ إن هو استوعب المرحلة وأدرك دوره المكمل والمعزز لجهد الدولة الإصلاحي حتى لو عنى ذلك تقصير عمره. أما أن يتصرف وكأنه مجلس يمتلك سيادة حصرية على مشروع الإصلاح الوطني، وكأن لجنتي الحوار وتعديل الدستور لم تكونا، فهذا لن يضيف لاستراتيجية الدولة الإصلاحية بل سيقوضها.