رسائل العالم واضحة فماذا نحتاج؟

منذ أن هبت رياح الربيع العربي في مطلع العام 2011 كان تفكير الجميع منصباً على سؤال رئيسي واحد وهو ؛ " هل ستعصف رياح الربيع العربي بكافة أركان الدول العربية دون استثناء وبنفس الطريقة ؟" درجات الذكاء في ممارسات عدد قليل من الدول العربية في التعامل مع تلك الرياح والعواصف كانت بمثابة المصدات التي استوعبت وأدارت تلك الرياح بحكمة ، فعرفت كيف تتعامل معها لتخفف من تبعاتها على مختلف مكوناتها ، من مؤسسات وهيئات وتشريعات وبنى تحتية وبنى فوقية وغيرها . الجميع يعلم كيف آلت الأمور في الوطن العربي من شرقه إلى غربه ومن شماله إلى جنوبه . لا شك أن الذكاء الذي تعاملت به القيادة الأردنية العليا مع عواصف ورياح الربيع العربي عند وصولها إلى حدود الأردن كان براغماتيا وحكيما ومستجيبا لمتطلبات المرحلة ومخاطبا وعي الشعب وقارئا لدروس تجاربنا السابقة التي مرت على الدولة الأردنية منذ تأسيس الإمارة العام 1921 قبل ان يكون دارسا لما حصل في العديد من الدول العربية الأخرى. وتم امتصاص الصدمة وترويضها لمصلحة الوطن بمختلف مكوناته. ما يهم في هذا المقام التأثيرات التي وقعت على الاقتصاد الوطني الذي دخل في حالة نمو اقتصادي ثابت عند معدلات منخفضة نسبيا أو متباطئة منذ العام 2010 وما يزال مستمرا بهذا الوضع حتى هذه اللحظة . أسباب كثيرة ساهمت في استمرار هذه الحالة من التباطؤ في النمو الاقتصادي، كما ذكرنا في مقالات سابقة في هذه الزاوية ، ومن أبرزها تردد المستثمرين في الدخول في استثمارات جديدة أو التوسع في الاستثمارات القائمة ، وهروب بعضهم لأسباب تشريعية واجرائية وداخلية وأخرى تتعلق بالسياسات الاقتصادية وبارتفاع كلف الانتاج من طاقة ومياه ونقل وبنى تحتية. النقطة التي أود التركيز عليها هنا هي جزئية التردد في الدخول في الاستثمارات والتوسع فيها ، وهذه تتعلق بموضوع تخوف المستثمرين من مخاطر عدم الاستقرار ودخولهم في حالة من الانتظار والترقب وتأجيل الاستثمارات. وهنا لابد من التأكيد على ضرورة التقاط الرسائل المباشرة وغير المباشرة التي وجهت للأردن من العالم أجمع وهي أنه لم ولن يسمح لحدوث حالة من عدم الاستقرار السياسي أو الأمني أو الاجتماعي في الأردن. فبعد كل هذه الرسائل التي أرسلت، فليطمئن الجميع بدءا من الحكومة والمستثمر والمنتج والصناعي والتاجر وانتهاء بالمواطن. ولنأخذ خطوات جريئة للأمام على أرض الواقع. لكن مِنْ مَنْ؟ الخطوات الجريئة مطلوبة من الجميع؛ من الحكومة ومن الجهات الرسمية الأخرى التي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة في عمليات الاستثمار والانتاج والنمو الاقتصادي. ما نسمعه مباشرة من المستثمرين والمنتجين في مختلف القطاعات هو أن الحكومات تضيق عليهم بمختلف الطرق والوسائل وهي تدري. فالحكومة من طرفها تتصرف من منطلق الأزمات المالية التي تمر بها الموازنة العامة والمؤسسات العامة ، فغدت سياساتها منصبة في تحقيق المزيد من الايرادات للخزينة ولا تعلم أنها بتلك التصرفات تزيد من الخناق على المنتجين والمستثمرين في مختلف القطاعات الاقتصادية. والأصل والحكمة تقتضي أن تؤدي تصرفاتها إلى جذب المزيد من الاستثمارات والتوسع في الاستثمارات القائمة. لماذا نرى تراجعا في الاستثمارات وهروبا لبعضها الآخر واستقطابها من دول مجاورة وحتى بعيدة . لماذا يغادر المستثمر أرض الأردن إلى مصر وتركيا ودول الخليج؟ لو كانت تصرفاتنا وسياساتنا وإجراءاتنا ذكية وجاذبة لما هرب المستثمرون ولما تراجع الاستثمار . سألت مسؤولا حكوميا من دولة صديقة عما يمكن عمله للمستثمرين والمنتجين لتحفيزهم على المزيد من الانتاج والاستثمار ، فأجابني لو كنت مسؤولا أردنيا لاتخذت من الاجراءات التخفيفية وأزلت من العراقيل ما يعمل على جذب المزيد من الاستثمارات للأردن. تخفيض الرسوم والضرائب ، العمل على تخفيض كلف الانتاج من طاقة ومياه وغيرها، وتسهيل وتوفير البنى التحتية اللازمة للاستثمار. وقال أيضا بالحرف الواحد ، لعملت على زيارة كافة المستثمرين والمصانع وأصحاب العمل واستجبت لمطالبهم بالحرف، وذلك انطلاقا من قاعدة أن المستثمر، الذي بذل جهدا لعمل استثمار وأنتج وساهم في نمو الناتج وشغل عمالة وطنية ، يجب أن يكون دائما على حق. فما هي السياسات والبرامج المطلوبة؟ ببساطة، لننظر إلى ما قام به البنك المركزي خلال السنوات الماضية من تنفيذ برامج وسياسات ومبادرات صبت في خلق فرص استثمارية جديدة في قطاعات مختلفة، وقد نجح في ذلك ومبادراته ما تزال مستمرة وفعالة، وبنفس الوقت حافظ على قطاع مصرفي قوي وفعال وسليم بفضل سياساته الحصيفة وتعاون وحكمة إدارات البنوك . هذا ما يجب أن تقوم به جهات أخرى تقع على عاتقها مهمات تشجيع الاستثمار وتحفيز الانتاجية وخلق فرص العمل. الكرة بملعبنا وليس بملعب العالم . العالم أوصل رسائله وأكدها مرارا، فهل التقطنا الرسائل؟ إذن، فلنخطُ خطوات جريئة للأمام ولنحافظ على مستثمرينا ولنستقطب المزيد .اضافة اعلان