رسائل مهمة في خطاب العرش

بعث جلالة الملك في خطاب العرش في افتتاح الدورة العادية الثانية لمجلس الأمة السادس عشر برسائل مهمة لابد من التوقف عندها، لأنها تشكل خريطة طريق للمرحلة المقبلة من التحولات المهمة التي يمر بها الأردن.اضافة اعلان
أولى هذه الرسائل هي التأكيد على أن الإصلاح السياسي ما يزال يُشكل الأولوية للدولة الأردنية، وأن عملية الإصلاح لم تنته بإقرار التعديلات الدستورية بالرغم من أنها البداية الأهم، وتشكل إنجازاً كبيراً بحد ذاتها. لذلك، فإن الاستحقاقات السياسية في المرحلة المقبلة لا تقل أهمية عن الإنجاز الدستوري، وبخاصة القوانين الناظمة للعمل السياسي، وعلى رأسها قانون الانتخاب والهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات والمحكمة الدستورية.
الرسالة الثانية المهمة، وهي المرتبطة بتشكيل الحكومات المستقبلية التي كانت وما تزال محور الاعتراض على التعديلات الدستورية التي لم تتطرق إلى الكيفية التي يتم بها تشكيل الحكومات، ما يُضعف الركن النيابي من النظام السياسي الأردني ويحد من المشاركة السياسية لمكونات المجتمع، وبخاصة الأحزاب السياسية.
لا يوجد لبس في كلام جلالة الملك عندما قال: "إننا ملتزمون وحريصون على تكريس الركن النيابي من خلال الأخذ بعين الاعتبار توجهات مجلس النواب الذي يمثل تطلعات وطموحات شعبنا العزيز لدى تكليف رؤساء الحكومات"، والذي سيتم تطبيقه ابتداء من المجلس النيابي المقبل. وفي هذا التزامٌ وتأكيدٌ على أن الحكومة التي سيتم تشكيلها بعد الانتخابات البرلمانية المقبلة سيتم تشكيلها بالتشاور مع مجلس النواب. وفي واقع الحال، فإنه إذا كان المجلس النيابي يعبر عن إرادة الشعب، فهو الجهة الأهم في منح الثقة أوحجبها عن الحكومة، وهذا ما يضمن الركن النيابي في النظام السياسي.
رسالة أخرى شملها الخطاب، وهي ضرورة أن يكون التحول الديمقراطي تدريجياً وتراكمياً في آن. بعبارة أخرى، فإن مسألة التدرج بالإصلاحات تنطوي على ضرورة تهيئة كافة الظروف الكفيلة بإنضاج وإنجاح جميع التعديلات المطلوبة.
أما في ما يتعلق بحزبية الحكومات، فقد أعاد الملك الكرة لمرمى المجتمع، إذ إنه قبل وصول الحكومات الحزبية لابد من نضوج الحياة الحزبية وتطويرالأحزاب الحالية أو بروز أحزاب سياسية جديدة محترفة ذات برامج سياسية واضحة تستجيب لاحتياجات وطموحات الشعب.
القضية الأخرى التي برزت في خطاب الملك، هي أنه وبالرغم من أهمية وأولوية الإصلاح السياسي، فإنه لابد من أن يكون مقروناً بإصلاح اقتصادي وتنمية اقتصادية اجتماعية تساهم في توزيع مكتسبات التنمية من أجل تكريس العدالة على مستوى المحافظات، ومكافحة الفقر والبطالة، وتعزيز الاستثمار من أجل خلق فرص عمل للمرأة والشباب أيضاً.
أما الرسالة المهمة الأخيرة، فهي مرتبطة بالنهج والمسؤولية. فالنهج لابد أن يكون تشاركياً، وفي هذا يقع العبء الأكبر على الحكومة في فتح حوارات مع كافة أطراف المعادلة السياسية، وبالتالي تصبح المسؤولية جماعية وليست مسؤولية الحكومة فقط، لا بل إن الكل مسؤول في تحقيق هذه الرؤية الإصلاحية.
وفي النهاية، لقد رسم خطاب الملك خريطة الطريق للمرحلة المقبلة للإصلاح بأبعاده السياسية والاقتصادية والتنموية، والتي يجب أن تتم بطريقة تشاركية وبروح وطنية عالية لتحقيق طموحات الشعب والقيادة الأردنية، مما يُحتم على كافة الأطراف السياسية أن تنخرط في ورشة الإصلاح السياسي.