رسالة إلى صديقي الشبيح

المتحاربون في سورية يختلفون عن المتحاربين على سورية، الأخيرون وهم؛ تركيا وإيران وروسيا والصين من جانب والتحالف الأميركي الخليجي وأوروبا من ورائهم من جانب آخر، هؤلاء جميعاً ليسوا معنيين بسورية القومية أو سورية رمز المُمانعة - كما يحلو للقومية ولليسار العربيَين وصفها-، سورية بالنسبة لهم ساحة لتحقيق مصالحهم وسياساتهم الدولية. كل دولة من تلك الدول لها مصالح في سورية تختلف وأحياناً تتعارض مع بعضها، ولكن المذهل أن جميع تلك الدول تتفق بشكل أو بآخر على حماية "إسرائيل" أو السكوت حماية لمصالحها؛ أميركا قطب الحرب ضد النظام متماهية مع "اسرائيل" ومصالحها، روسيا قطب الدفاع عن النظام ساكتة - بالحد الأدنى - عن العدوان والاحتلال الإسرائيليين وغير معنية بنظام سوري يحارب "اسرائيل".اضافة اعلان
من جانب آخر فإن المتحاربين في سورية وعنوانهم الجيش النظامي من جانب والجيش الحر من جانب آخر، هم أدوات لمعادلة المصالح الدولية، وإن انتصارهم أو هزيمتهم على الأرض مرتبطٌ بحصيلة الصراع الدولي، وغداً من الممكن أن يتقهقر الجيش النظامي إن قررت روسية رفع دعمها العسكري، أو إذا تدخلت أميركا بقوة أكثر دعماً للجيش الحر، ولهذا فمن السذاجة السياسية تحليل الحرب السورية من واقع انتصار تحققه دمى الحرب تلك في ساحة المعركة، ويبدو أن القوى الدولية اتفقت ضمناً أن لا نصر ولا هزيمة لأي منها وذلك لضمان ديمومة الحرب.
النظام المنتصر في الحرب السورية وعلى فرض أنه نظام بشار، سيكون أسداً بلا أنياب، مدجنا بالتبعية العسكرية والسياسية والاقتصادية، وأضعف من أن يحارب "اسرائيل"، والواقع أن العرب جميعاً بقضِهم وقضيضهم سقطوا من معادلة الصراع مع العدو الصهيوني وانتهوا كندٍ لإسرائيل وهم في أحسن أحوالهم "ندابون" في بيت عزاء يندبونَ حظ الأمة ويتباكون على ماضٍ متخيل لها، وقد تَرَكُوا "إسرائيل" عدوة السلام تنعم بساحة لا ند فيها لعدوانها.
ان رفضنا للدموية التاريخية للنظام السوري هو موقف من جميع الأنظمة الشمولية غير الديمقراطية في العالم العربي، وهو إنسجامٌ مع نضال القوى التقدمية من أجل دول مدنية ديمقراطية تقوم على سلطة الشعب وتكريس حقوق الإنسان، ويجب أن يكون هذا الموقف مبدئياً للنخبة وللمثقفين العرب، ونبل هذا الموقف يستوجب أن لا يكون إنتقائياً فلا يقتصر على النظام السوري ولا يستثنيه أيضاً لأي حجة كانت.
واذا كان النظام السوري قد استشعر مؤامرة كونية ضده مع بداية الأحداث الشعبية السلمية العام 2011، او إن كانت لديه معلومات عن تدخلات عربية وأجنبية للإطاحة به، فقد كان الأجدر به -وبما عرف عنه من دهاء- أن يحتوي تحرك شعبه السلمي الذي استمر سلمياً لأكثر من ستة أشهر، وان ينتهز الرئيس الدكتور تلك الاحتجاجات السلمية لتنفيذ إصلاحات كانت منتظرة منه، وكان قد وعد بها، ولكن طبع البطش غلب تطبع الديمقراطية. بالمقابل فإن كلفة إزاحة بشار صارت كلفة باهظة سياسياً وعسكرياً وإنسانياً، ودفع الشعب السوري ثمنها غالياً حتى انتهى ليكون هذا الهدف عبثياً، فبشار ليس الدكتاتور الوحيد في العالم العربي، ولكنه اليوم دكتاتور يجلس على دمار يمثل جريمة اقترفتها وتقترفها كل الأطراف المتحاربة دونما استثناء، وهذا الدمار والموت لا يدفع ثمنه إلا الشعب السوري، وسورية الوطن.
سيقول قائل وأنت مالك؟ لماذا لا تهتم بشأنك الأردني ومشاكلك؟ لماذا تتدخل بإدانة النظام السوري؟، وهذا موقف - مع الاحترام لأصحابه - ساذج، إن الصراع في سورية اقترب من إحداث تحولات على هيكلية الشعب والدولة الأردنية، وهو صراع سيستمر اثره على الاردن لسنين وسيؤثر على ديناميكيات المجتمع الأردني الاقتصادية والسياسية والديموغرافية وإن الاهتمام به ليس ترفاً أو اصطفافاً إنه مسألة وجودية بالنسبة للأردن والأردنيين.
وأخيراً نقول "داعش فوبيا" ليست مبرراً لقبول قصف المدنيين، ورفض قصف المدنيين لا يعني بأي حال تأييد أميركا وحلفها أو القبول بسياسات الإخوان المسلمين في العالم العربي أو تأييد الموقف التركي العنصري ضد الأكراد، انه موقف ضد كل السياسات الإمبريالية الأميركية الروسية الإيرانية التركية، انه فقط وقوف صريح مع الإنسان السوري ووحدة أرض سورية، انه نداء لوقف الحرب القذرة، ووقف قصف المدنيين – من أي طرف كان- بحجة مواجهة الاٍرهاب، فللحرب حتى للحرب أخلاقها يا سادة !!