رصد لتحولات تنبئ بانفراج دولي وإقليمي

سمير حباشنة

(1)
يقال بالعادة "إنه الهدوء الذي يسبق العاصفة"، إلا ان ما يجري في هذه الفترة عكس ذلك، فالتصعيد الذي تشهده البؤر الساخنة إقليمياً ودولياً، هو على ما يبدو مقدمة لتهدئة وانفراج محتمل، وشيك الحدوث.اضافة اعلان
ذلك أن ملفات كثيرة هي اليوم في طريقها إلى التبريد.. حد الإغلاق، وفق حلول توافقية بين أطراف متشابكة معقدة بملفات دولية وإقليمية سياسية- أمنية عالقة منذ اكثر من عقدٍ من الزمن، وأن على رأس تلك الملفات السعي نحو عودة إيران والولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي، والتي تبدو وشيكة، حيث يوضع الآن الفصل الاخير بالمباحثات التي تشهدها "فينا" في النمسا بين الاطراف الدولية 5+1 وايران. فواشنطن وطهران اصحاب مصلحة حقيقية في إنهاء هذا الملف على نحو إيجابي، مرضٍ لكليهما، وبتشجيع ومساندة من بقية الأطراف الدولية التي ترى في إعادة العمل بهذا الاتفاق، آفاقاً اقتصادية كبرى منتظرة بعد رفع "الفيتو الأميركي" عن التعاون مع ايران، وما يترتب عليه من عقوبات.
(2)
وأعتقد ان الاتفاق الأميركي الإيراني وإن تم، سوف يدفع قُدما الجهود المبذولة لوقف الحرب في اليمن وحفز الأطراف اليمنية على رسم صيغة تشاركية تعيد لليمن وحدته الجغرافية والديموغرافية. ذلك أن الحديث في إمكانية حل الموضوع اليمني دون اشراك ايران، هو حديث منقوص.
ان النشاط الدبلوماسي السعودي الذي شهدناه مؤخراً، إنما يصب في هذا الاتجاه وفي اتجاهات ايجابية أخرى ايضاً، والتعامل مع ملفات طالما كانت معلقة وبلا أفق للزحزحة. وقد بدأ ذلك بالمبادرة السعودية لإنهاء الحرب في اليمن، بالتوازي مع لقاءات سعودية إيرانية برعاية بغداد، والتي كانت متوقفة منذ أمد بعيد. وهي تبدلات مهمة في المفاهيم والتوجهات تتساوق مع تحركات الإدارة الأميركية الجديدة والتي تمثلت باعتبار إنهاء الحرب في اليمن أولوية أميركية وتعيين مبعوث خاص يقود الآن الجهود السلمية لوقف الحرب.
وفي ذات الاتجاه فإن الاتصال السعودي مع الحكومة السورية على الصعيدين الأمني والاقتصادي، هو مقدمةٌ لعلاقاتٍ طبيعيةٍ بين البلدين، بدأت بزيارة مدير المخابرات السعودي إلى دمشق ولقائه الرئيس بشار الأسد، وكذلك بدعوة وزير السياحة السوري لزيارة السعودية، مؤشرات على ان علاقاتهما تأخد منحى ايجابياً جديداً، يدفع بعودة سورية إلى الجامعة العربية من جهة، والعمل مع بقية الأطراف العربية والإقليمية والدولية لإغلاق الملف السوري، وفق رؤية لا تستثني وجود المعارضة السورية "السلمية" كطرف في صياغة مستقبل سورية ما بعد الحرب.
وعلى جانب آخر فإن ما يجعلنا نتفاءل بقرب انهاء الموضوع السوري واستكمال الخطوات التي قطعتها الأطراف الليبية نحو وقف الحرب وضمان وحدة ليبيا وبناء نظام تشاركي وانسحاب القوات الأجنبية منها، بدء تواصل مصر مع كل من تركيا وقطر، مع معرفتنا بالدور الكبير لهذه الدول بالقضيتين الليبية والسورية .
(3)
إن الموضوع المزمن الأبرز والأعقد والأهم عربياً وإقليمياً ودولياً هو الموضوع الفلسطيني، فإن من المؤكد ان إخفاق العدوان الإسرائيلي الاخير على غزة وعلى القدس دون تحقيق أهدافه العسكرية والأمنية والسياسية بفضل المقاومة والصمود الفلسطيني الذي قل نظيره، والذي أوضح بصورة جلية وحدة المشروع الوطني الفلسطيني وأهدافه الواحدة في غزة والضفة الغربية بما فيها القدس وفي الداخل، هي متغيرات اعادت للقضية الفلسطينية مكانتها في الاهتمامين الدولي والعربي، بل وكانت من نتائجها المباشرة أن قفزت القضية الفلسطينية كأولوية مطروحة على الإدارة الأميركية والتي توافقت مع ضغط أميركي داخلي دعماً للشعب الفلسطيني ولحقوقه المسلوبة، تجلى ذلك في منصات الحزب الديمقراطي الحاكم والكونغرس، وكذلك بالتحركات النشطة لمنظمات مجتمع مدني أميركي كبيرة وفعالة مثل حركة "BLACK LIFE ATTER"، ومؤسسات تمثل الجالية الأميركية اللاتينية وحتى منظمات يهودية عديدة جميعها تطالب بإعادة التوازن للسياسة الأميركية ووقف الانحياز السافر والدعم المطلق لإسرائيل وروايتها.
وقد تجلى ذلك بأن قام أكبر موقع قضائي في ولاية جورجيا الأميركية بإلغاء قرار سابق يتيح لمنتجات المستوطنات الإسرائيلية أن تباع في أسواق تلك الولاية.
هذا دون أن نسقط من الحسابات تلك الهبة التي انتابت عواصم أوروبا والعالمين العربي والإسلامي دعماً للحق الفلسطيني والمطالبة بوقف العدوان وسياسة "الابرتهايد" العنصرية التي تمارسها إسرائيل ضد الشعب العربي الفلسطيني.
(4)
إن مجمل تلك المتغيرات لا بد وأن تكون محط اهتمام لقاء القمة المنتظر بين الرئيسين بايدن وبوتين، والذي سوف يمثل الخطوة الأهم على طريق التهدئة والحل لأكثر البؤر الساخنة في العالم، وعلى رأسها بالتأكيد القضايا التي تهمنا في سورية وليبيا واليمن. وعلى جانب آخر فإن التصعيد الأميركي مع الصين ذا الطبيعة الاقتصادية البحتة لا بد أن يكون مادة للبحث في المستقبل القريب.
وبعد، فإن الأسئلة المطروحة علينا نحن كعرب:

  • هل سنبقى في حالة تشتت وتشرذم؟ نطلق خطابات معلبة دون فائدة ترتجى ودون تنسيق فعلي؟
  • ونقول ألم يحن الوقت لاتخاذ مواقف واضحة تجاه قضايانا الكبرى والمبادرة إلى حلها في إطار الحوطة العربية؟
  • ألم يحن أن نتحرك كعرب معاً نحو سورية ونعيد لهذا البلد العربي المهم السلام والأمن ووحدة أراضيه وشعبه وعودة لاجئيه ونازحيه إلى بيوتهم وسحب القوات الأجنبية وطرد قوى التطرف والإرهاب منه، وصياغة رؤية توافقية بين الحكومة والمعارضة "السلمية" لبناء سورية الحديثة وإعادة إعمار ما دمرته حرب الأيام الطويلة؟
  • ألم يحن الوقت لأن يبادر العرب نحو يمنهم "السعيد" بمبادرة تجمع أطراف المعادلة اليمنية وفق برنامج يعيد لليمن السلام ويحافظ على وحدة ترابه وشعبه؟
    ويبقى موضوعنا الأهم، وهو الموضوع الفلسطيني، الذي يمكن للعرب اليوم أن يبنوا على الإنجاز الفلسطيني الكبير الذي تحقق مؤخراً، وتوظيف قدراتهم السياسية والاقتصادية، ليس للوصول إلى هدنة طويلة كما يقال، بل لإنهاء الصراع وفق المبادرة العربية بقيام الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، والتي تنسجم مع قرارات الشرعية الدولية ومبدأ حل الدولتين المتفق عليه دولياً.
    ومن جهة أخرى، فإنني أعتقد جازماً بأن الانفتاح على أطراف المعادلة الفلسطينية، والسعي إلى إنهاء الانقسام الفلسطيني أمران في غاية الأهمية، ذلك أننا لن نستطيع أن نبلور موقفاً عربياً إن لم تكن كل الأطراف الفلسطينية حاضرة وموافقة على هذا الموقف، ولنتذكر بأن أوروبا قد أفصحت أول من أمس أنها على وشك الدخول بمباحثات مع حركة حماس، ولنتذكر بأن طالبان التي دخلت في حرب ضروس طويلة مع الولايات المتحدة لحوالي عقدين من الزمن، تجلس اليوم مع الأميركيين على طاولة واحدة في قطر. ففي السياسة لا توجد خطوط محرمة.
    لذا أحرى بنا أن نبادئ كعرب للملمة صفوفنا والتخلص من المواقف المسبقة تجاه بعضنا البعض.