رغم الانحياز الأميركي الفاضح.. تأييد "كاسح" للفلسطينيين في الأمم المتحدة

أحد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السابقة -(أرشيفية)
أحد اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة السابقة -(أرشيفية)
عمان – الغد – التأييد “الكاسح” لحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، والذي شهدته أروقة الأمم المتحدة، مساء الثلاثاء الماضي، لم يكن بحد ذاته ما يلفت النظر، فهو أمر ليس جديدا على المنظمة الدولية الأممية، التي دأبت منذ عشرات السنوات على اتخاذ الموقف نفسه، بأغلبية الدول الأعضاء. الجديد في الأمر، والذي “فاجأ” إسرائيل وحلفاءها، هذه المرة، هو تغير مواقف عديد دول اعتادت على اتباع الخطوات الأميركية “ذات المعايير المزدوجة” والراعي الأكبر والحامي لمصالح إسرائيل في العالم. وكانت اللجنة الثالثة “لجنة الشؤون الاجتماعية والثقافية والإنسانية”، التابعة للجمعية العامة للأمم المتحدة أيدت بأغلبية ساحقة، مشروع قرار بعنوان “حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير”، حيث صوت لصالح القرار 165 دولة، مقابل معارضة 5 دول (إسرائيل، الولايات المتحدة، ناورو، ميكرونيزيا وجزر مارشال) وامتناع 9 أخرى، من بينها أستراليا، غواتيمالا ورواندا. واللافت الأهم، هو تغير موقف كندا، التي دأبت طوال أكثر من عقد مضى على اتباع خطوات أميركا في هذا الملف، فظلت تسير في نمط تصويت مؤيد لإسرائيل، لتقلب موقفها هذه المرة، وعلى نحو “غير متوقع”، فتصوت لصالح القرار. التأييد الكندي للقرار الأممي، الذي يعني فيما يعنيه الدعوة لإقامة دولة فلسطينية، تسبب في “خيبة أمل كبيرة” في أوساط المسؤولين الإسرائيليين والمؤيدين الكنديين للدولة اليهودية، بحسب ما نقلته وسائل إعلام عبرية، قالت إن هؤلاء باتوا يخشون من أن يكون موقف أوتاوا الجديد “مؤشر محتمل على تغيير في نمط التصويت المؤيد لإسرائيل منذ عقد”. وعلى مدار العقد الماضي، صوتت كل من الحكومات الليبرالية والمحافظة الكندية سنويا ضد القرار، الذي يدعو، من بين أمور أخرى، إلى “إنهاء الاحتلال الإسرائيلي” ويدعو إلى الحفاظ على “الوحدة الإقليمية والتواصل والنزاهة لكل الأرض الفلسطينية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية”. ولا يجب النظر إلى الموقف الكندي الجديد، من زاوية أنه يشق عصا التبعية للولايات المتحدة فقط، والتي ما انفكت طوال عقود بحكم علاقات الجوار والعلاقات الاقتصادية الضخمة بين البلدين، بل ولا بد من التوقف عند توقيت تصويت أوتاوا بـ”نعم” لصالح الشعب الفلسطيني، بعد عقد وأزيد من “لا” تتكرر بشكل شبه سنوي. وعن سبب التحول “المفاجئ” تقول المتحدثة باسم وزارة الخارجية الكندية كريستينا دودز، في تصريح نقلته صحيفة إسرئيلية، إن “كندا تلتزم بهدف تحقيق سلام شامل وعادل ودائم في الشرق الأوسط، بما في ذلك إقامة دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل”. وتضيف “تمشيا مع موقف كندا المتبع، من المهم في هذا الوقت أن نعيد تأكيد التزامنا بحل الدولتين والمساواة في الحقوق وتقرير المصير لجميع الشعوب. في الوقت الذي يتعرض فيه للتهديد بشكل متزايد، من المهم أن تؤكد كندا التزامنا الراسخ بحل الدولتين”. وكانت اوتاوا شهدت يوم الإثنين الماضي مباحثات ثنائية، وأخرى موسعة عقدها جلالة الملك عبد الله الثاني مع رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو. وتناولت المباحثات التطورات الإقليمية الراهنة، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، حيث أكد جلالة الملك ضرورة تحقيق السلام العادل والدائم والشامل على أساس حل الدولتين، الذي يضمن قيام الدولة الفلسطينية المستقلة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية. التوقيت الذي تتحدث عنه المسؤولة الكندية يأتي في ظل عدة معطيات مهمة تحققت على الأرض في الأشهر القليلة الماضية، فهو يأتي بعد أيام فقط على توجيه الإدارة الأميركية بقيادة الرئيس دونالد ترامب ضربة جديدة للتوافق الدولي حول النزاع بين إسرائيل والفلسطينيين. الضربة الجديدة تمثلت في اعتبار الولايات المتحدة أن “إنشاء مستوطنات لمدنيين إسرائيليين في الضفة الغربية لا يتعارض في حد ذاته مع القانون الدولي”، في موقف جاء ليضاف إلى سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها الإدارة الأميركية لصالح إسرائيل. فمنذ وصول الرئيس دونالد ترامب الى السلطة، اعترفت واشنطن بقرار أحادي بالقدس عاصمة لإسرائيل وبسيادة الدولة العبرية على الجولان السوري المحتل. ولا يتناقض قرار واشنطن الأحادي الأخير، فحسب، مع السياسة التقليدية الأميركية منذ عقود، بل وأيضا يتعارض مع قرارات الأمم المتحدة في اعتبار أن المستوطنات التي أقيمت على الأراضي الفلسطينية المحتلة من إسرائيل منذ 1967، غير قانونية، والتي يرى جزء كبير من الأسرة الدولية أنها تشكل عقبة كبرى في طريق السلام. وقبل موقفها الأخير، دأبت أوتاوا على التصويت لصالح إسرائيل، في سياسة، تقول وسيلة إعلام عبرية، أنها بدأت في ظل رئيس الوزراء الليبرالي السابق بول مارتن بين عامي 2003 و2006، وثم تسارعت بشكل كبير في عهد رئيس الوزراء المحافظ ستيفن هاربر من 2006 إلى 2015. وهو الموقف ذاته الذي اتخذه ترودو، والذي حافظ على السجل المؤيد لإسرائيل، حتى مساء الثلاثاء حين صوتت بلاده لصالح الفلسطينيين، هذه المرة. وفي كل الأحول، فإن التغير في الموقف الكندي، يأتي ضمن سياق عالمي بدأ منذ عدة سنوات، وتكثف بعد نقل الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس المحتلة في آيار (مايو) العام 2018. وبعد سنوات على إقرار البرلمان الإيرلندي مذكرة “غير ملزمة” تطالب الحكومة بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية وفق قرارات الأمم المتحدة، وعلى إثر نقل السفارة الأميركية أعلن وزير الخارجية الأيرلندى سيمون كوفيني، أنّ بلاده التزمت بالفعل بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كجزء من عملية سلام، حتى إذا فشلت المفاوضات بين فلسطين ونظام الاحتلال الإسرائيلي. الخطوة ذاتها تفكر فيها ثلاث دول أوروبية أخرى هي، وسلوفينيا ولوكسمبورغ وبلجيكا. ويبدو على الصعيد الدولي، أن الانحياز الأميركي البائن لإسرائيل، والمخالف للشرعية الدولية في عدة مفاصل أساسية، بات ينقلب على شكل تغير في مواقف دول كانت دوما تدور في فلك واشنطن، ولعل كندا ليست الأخيرة، مع توقعات بتغيير دول عديدة مواقفها في وقت قريب.اضافة اعلان