رفع أسعار الفائدة.. لمصلحة من؟ (2-2)

سلامة الدرعاوي لا تعني الإشادة بقرار المركزيّ الأخير برفع الفائدة إنكار أن هناك آثارا سلبية ستلحق ببعض الفئات المقترضة خاصة من الأفراد ذوي الدخول المحدودة التي سترتفع عليهم كلف الاقتراض بارتفاع أسعار الفائدة.‎ البنك المركزيّ على دراية تامة بأهمية دعم القطاعات وتوفير قنوات التمويل الميسر للقطاعات الاقتصاديّة ذات القيمة المضافة العالية، وكذلك الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم التي تشكّل اللبنة الأساسية للاقتصاد الوطنيّ. لذلك وعلى ضوء هذه التحديات، أبقى البنك المركزيّ على أسعار الفائدة التفضيلية لبرنامج البنك المركزيّ لإعادة تمويل القطاعات الاقتصاديّة بسقف تمويل يبلغ 1.3 مليار دينار دون تغيير عند 1.0 % للمشاريع داخل محافظة العاصمة، و0.5 % للمشاريع في باقي المحافظات، إذ أعلن المركزيّ بأن المبلغ المتاح لإعادة الإقراض للقطاعات العشرة المشمولة بالبرنامج يبلغ حالياً 567 مليون دينار.‎ كما أبقى البنك أيضاً على سعر فائد المقترضين للتمويل المقدم من برنامج البنك المركزيّ لدعم الشركات الصغيرة والمتوسطة والمهنيين والحرفيين بما لا يتجاوز 2 %، ولأجل 54 شهراً، من ضمنها فترة سماح تصل إلى 12 شهراً، ويبلغ حجم البرنامج 700 مليون دينار.‎ إجراء المركزيّ جاء متوازنا بين المحافظة على الاستقرار النقدي وقوة العملة المحلية وبين المحافظة على دعم الاقتصاد ونشاط القطاع الخاص مع ما يتطلبه ذلك من وجود قنوات سيولة كافية متاحة للإقراض لدى البنوك والحفاظ على توفير تمويل تفضيلي هادف للقطاعات المنتجة والمشاريع الصغيرة والمتوسطة من قبل المركزيّ وهو أمر مقدر ويحسب للبنك وسيحد من أثر رفع أسعار الفائدة على النشاط الاقتصاديّ.‎ بالرغم من ذلك يسوق البعض أن رفع تكاليف الاقتراض سيؤثر سلباً على الاستثمار ولن أختلف مع هذا المنطق، لكن يبقى هذا أحد العوامل وقد لا يكون الأهم في القرار الاستثماري وجدواه، إذ الاستثمار سيأتي ما لم يكن هناك استقرار في البيئة الاقتصاديّة والمصرفية والنقدية واستقرار في الأسعار المحلية الذي يقلل بدوره من حالة عدم اليقين وله انعكاسات إيجابية على سلوك الناس وتوقعاتهم وميلهم نحو الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري. ينتظر الناس من الاقتصاديين ومن يطلق عليهم بالخبراء هذه الأيام أن يبتعدوا عن النظره الضيقة والأحكام التي تتجه للشعبوية والتركيز على مثالب بعض القرارات إلى التركيز على التقييم الشمولي بعيد الأجل والعلمي لما يتخذ من قرارات تمس الاقتصاد الوطنيّ.‎ الاقتصاد الوطنيّ يتمتع بالمنعة وعاد إلى تسجيل معدّلات نموّ موجبة في عام 2021 بلغ معدلها 2.2 % تفوق ما كان متوقعا في وقت سابق ويتوقع أن تشهد مزيدا من الارتفاع في المستقبل بعد أن خالف أيضا معظم التوقعات وانكمش بصورة محدودة لم تتجاوز 1.6 % وهو ما يقل بشكل ملحوظ عن الانكماش في اقتصادات المنطقة والعالم. كما يظهر أداء المؤشرات الاقتصاديّة الأخرى استمرار التعافي وعلى نحو يبعث بكثير من الثقة والطمأنينة فاحتياطيات البنك المركزيّ من العملات الأجنبية تبلغ حالياً 17.9 مليار دولار، وتكفي لتغطية 9.3 شهر من مستوردات المملكة من السلع والخدمات. وبلغ رصيد إجمالي الودائع لدى البنوك 39.6 مليار دينار أغلبها بالعملة المحلية، كذلك ارتفع رصيد إجمالي التسهيلات الائتمانية بمقدار 423.7 مليون دينار بالمقارنة مع نهاية عام 2021، ليصل إلى 30.5 مليار دينار.‎ كما يبلغ الدخل السياحي خلال الربع الأول من هذا العام نحو أربعة أمثاله في الربع الأول من العام السابق، ونمت الصادرات بنسبة 37.2 % خلال الشهرين الأولين من العام الحالي، ومعدل التضخم ما يزال ضمن مستويات مقبولة خلال الربع الأول من العام الحالي عند 2.3 %. نعم، قيام المركزيّ برفع أسعار الفائدة هو قرار سليم ورشيد يصب في مصلحة الاقتصاد الوطنيّ، وستكون له انعكاسات إيجابية على المديين المتوسط والبعيد، ويعطي دلائل منعة ورسائل إيجابية للغاية للمؤسسات الدوليّة والمانحين على المدى القصير كذلك، فالمركزيّ لا يتخذ قراراته بناء على شعبويات البعض أو ما تطرحه صفحات السوشال ميديا، فهناك اقتصاد ومنطق وأرقام تؤخذ بالاعتبار. المقال السابق للكاتب  للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان