رفع الحظر.. مسؤولية الأفراد..!

في الأيام الأخيرة، حلقت أرقام الإصابات والوفيات جراء “كوفيد-19” مرة أخرى في إيران، جارتنا في الإقليم، وارتفعت الأرقام نسبياً، فجأة، في لبنان القريب ليسجل 50 إصابة في يوم واحد. وما تزال أرقام الإصابات والوفيات بالآلاف في الكثير من دول العالم. وهذا يعني أن خطر الوباء لم يذهب إلى أي مكان، وأن تهديد “الموجة الثانية”، أو التفشيات الكبيرة المفاجئة التي يمكن أن ترهق المستشفيات والكوادر الصحية، ما يزال ماثلاً بقوة.اضافة اعلان
مع ذلك، استجابت الحكومة الأردنية للمطالب العملية بإعادة فتح الاقتصاد والحركة، لأن الآثار الاقتصادية التي يُرتبها الإغلاق على الأفراد والاقتصاد الوطني هائلة أيضاً. وكان هناك دائماً ذلك الحوار المستمر والصعب بين حجج الإغلاق وحجج الفتح، بما للخيارين من مبررات أكثر من مقنعة. لكنّ الذي رجح كفة تخفيف القيود كان الوضع الوبائي المريح نسبياً، والذي جاء نتيجة الإجراءات السريعة، والتي كانت قاسية من إحدى الزوايا، عند بداية وصول الوباء إلى المملكة.
من الواضح أن التعافي الاقتصادي لن يكون سريعاً. وستكون طريقة إدارة هذا التعافي اختباراً أصعب كثيراً من إدارة أزمة الوباء. بل إن جزء ما بعد الوباء هو الأبقى والذي سيحدد المسارات المستقبلية لأدائنا الوطني على كافة الصعد. ومن نافلة القول أن المسؤولية الأكبر عن مكونات ونتائج الفترة المقبلة ستكون على عاتق الحكومة. وسوف يكون أداء صُنّاع القرار من حيث تخفيف الأعباء عن المواطن والاحتفاظ بمكتسبات خبرة الوباء، أو العكس، محدّداً رئيسياً للاستقرار أو عدمه.
ومع ذلك، ثمة مسؤولية مهمة تترتب على المواطنين، والتي ينبغي أن يطّلعوا بها بوعي بحيث لا يتركون على أنفسهم حجة بأنهم هم الذين قوضوا إنجاز احتواء الوباء الذي برّر رفع الإغلاق، وخربوا خطط التعافي. وهذه المسؤولية، ببساطة، هي تطبيق التوصيات العلمية حول الإجراءات التي ينبغي أن تمنع الإصابة بـ”كوفيد-19” أو نقل عدواه ونشره. وبعد ذلك، تأتي المستويات الأكثر تعقيداً من المسؤولية الفردية، ومنها كيفية إدارة الأعمال الخاصة بذكاء في اتجاه التعافي وليس التأزيم.
بصراحة، يُلاحَظ أن عدداً غير قليل من الناس لا يلتزمون بتعليمات التباعد الجسدي وارتداء الكمامات والقفازات. بل إن بيئات اجتماعية وبيئات أعمال يُفترض في أفرادها أن يكونوا أكثر علمية ووعياً تعرض أيضاً استهتاراً غير مفهوم بإجراءات الوقاية، معتمدة هي الأخرى على الوضع الوبائي المريح في البلد. زد على هؤلاء الكثيرين –والذين يتزايدون- من معتنقي “نظرية المؤامرة”، المقتنعين إنه ليس هناك وباء ولا مَن يحزنون، وأن الأمر كله مفتعَل ومؤامرة سياسية تشارك فيها كل حكومات العالم من دون استثناء، للتضييق على المواطنين وترتيب العالم أو جمع الأموال. ويسألك هؤلاء لدعم حجتهم: هل تعرفُ أحداً مات من “كورونا”؟
لم يمت، والحمد لله. لا يجب أن يموت أحباؤنا وأقاربنا وأصدقاؤنا ونتلقى الضربة مباشرة حتى نصدّق. بالأمس فقط، سجلت البرازيل 1.473 وفاة في 24 ساعة. وتجاوز عدد الإصابات في العالم المليونين، والوفيات تقترب من أربعمائة ألف. وليس من المعقول أن تعلن البرازيل وغيرها هذه الأرقام لكي تساعد الحكومة الأردنية، مثلاً، على جمع الضرائب وفرض قوانين الدفاع.
كانت صور الوباء في العالم كابوساً حقيقياً لدى تخيُّل أن يحدث عندنا تفشٍ كبير يرهق إمكانياتنا الطبية والاقتصادية. كان حدوث آلاف الإصابات ومئات الوفيات في بلدنا، وهو ليس مستحيلاً نظرياً، سيعني موت الناس والاقتصاد وتعقيد التعافي فوق التصور. وكان الناس سيختبئون في بيوتهم مشلولين بالهلع، وينتظرون أن تتناولهم العدوى من النوافذ في أي لحظة. وكان ذلك سيعني إغلاق الأعمال وتقييد الحركة بشدة أكبر ولوقت أطول، وتدمير الاقتصاد والنفسية الاجتماعية بطرق يصعب إصلاحها، لا قدّر الله.
بعض استعراض مختلف المؤشرات والاقتراحات المتشددة والمتراخية إزاء الفتح والإغلاق، يخلص ماكس نيسين، كاتب شؤون العلوم في “بلومبيرغ”، إلى أن “الطريق الأكثر حكمة لفترة طويلة قادمة هو التعامل مع “كوفيد-19” باعتباره التهديد القاتل الذي كانه في إيطاليا قبل أسابيع قليلة، والذي يستمر في أن يكون موجودًا حول العالم”.
والمطلوب؟ بالنسبة للفرد، مجرد إجراءات الحماية البسيطة الموصى بها من دون وجود شرطي على رأسه. والبديل؟ المغامرة بعودة سيئة للوباء في الأردن، حيث لن يفيد الندم.