رفع الرسوم الجامعية.. انهيار للتعليم

محمود خطاطبة «قمنا من تحت الدلف لتحت المزراب».. مثل شعبي دارج، يُطلق على من يخرج من ضيق إلى أضيق منه، وكأن ذلك ينطبق على تصريحات بعض المسؤولين في الحُكومة، نشرتها وسائل إعلام، مؤخرًا، تؤكد أن هُناك توجهًا لـ»هيكلة» الرسوم الجامعية. غريب هو تصرف مثل هؤلاء المسؤولين والتصريحات التي يخرجون فيها كُل فترة وأُخرى، ففي الوقت الذي شهدت فيه بعض مناطق المملكة تنفيذ اعتصامات وإضرابات، احتجاجًا على مسلسل ارتفاع أسعار المُشتقات النفطية، يدور حديث اليوم بطريقة أو أخرى إلى «هيكلة» الرسوم الجامعية، وهو ما يعني بالضرورة «رفع» الرسوم. توقيت مثل هذه التصريحات غير موفق أبدًا، وكأن مُطلقها لا يعرف ما يدور أو يحصل في هذه البلاد، خصوصًا أنها تأتي قُبيل توجيهات ملكية إلى الحُكومة لـ»تجميد» الضريبة على مادة الكاز خلال فصل الشتاء، وذلك بهدف تخفيف الأعباء عن المواطنين، وبالتحديد ذوي الدخل المحدود. «الهيكلة»، في الكثير من دول العالم، لها أسبابها وظروفها الخاصة، ويتم اللجوء إليها بعد دراسة مُستفيضة تنتج عنها فوائد جمة، أو على الأقل تكون الخسائر المُترتبة عليها في حدها الأدنى. لكنها مُختلفة تمامًا عند حُكوماتنا، فهي لها معنى واحدًا فقط، يتمثل إما بالاستغناء عن موظفين أو رفع أسعار مواد وسلع، جزء ليس يسير منها يُعتبر من أساسيات العيش لدى جُل الشعب الأردني. ما يدعو إلى القلق، هو أن التوجه الحُكومي لـ»هيكلة» أو بمعنى أصح «رفع» الرسوم الجامعية، ليس فقط بأن توقيته غير مُناسب أبدًا، خصوصًا في ظل أوضاع اقتصادية ومعيشية صعبة يعيشها المواطن، بل أنه بالأصل لا داعي له، خاصة أن رُسوم الساعة الدراسة في جامعاتنا «مُرتفعة»، إلا إذا كان المسؤولون لا يعرفون أن رسوم الساعة الجامعية الواحدة في جامعة البلقاء التطبيقية، على سبيل المثال، يتراوح ما بين 30 و100 دينار، وأن رسوم الساعة الواحدة في كُل التخصُصات التي تم إطلاقها بعد العام 2000، يتراوح ما بين 65 و75 دينارًا. يبدو أنه ليس فقط بعض الناطقين الإعلاميين في الوزارات والمؤسسات الحُكومية من هم بحاجة إلى دورات وتدريب، على كيفية الإدلاء بتصريحات صحفية وتوقيتها؟، بل يتعدى ذلك إلى قيادات الصفوف الأولى والثانية في الوزارات والمؤسسات، إلا إذا كان من الحال الطبيعي لدى الحُكومة هو كالعادة «استسهال» التغول على جيب المواطن. ألا تعلم الحكومة بأن أكثر من ثمانين بالمائة من المواطنين الأردنيين يستدينون أو يُرهنون شققهم أو أراضيهم في سبيل تعليم أبنائهم.. وعلى الرغم من ذلك لا أحد يعلم لماذا يُراد استفزاز المواطن بأكثر من طريقة أو قرار أو إجراء، إلى درجة توصله ليُخرج معها أسوأ ما لديه، ومن ثم نعته بعدم المسؤولية أو أنه لا يعي خطورة الأوضاع التي آلت إليها البلاد. من لا يرى كيف أصبح الوضع المعيشي والاقتصادي والمالي للمواطن، فحتمًا على عينيه غشاوة، وما الاحتجاجات التي شهدتها بعض المحافظات، مؤخرًا، من ذلك ببعيدة، بالإضافة إلى أن رفع الرسوم الجامعية وفي هذا الوقت بالتحديد ستكون له آثار سلبية، ربما تؤدي لانهيار التعليم وحصره بمن يملك المال فقط، وبالتالي ضرب المنظومة المجتمعية. المقال السابق للكاتب وطن لا يشارك في بنائهاضافة اعلان