رفع العقوبات الاقتصادية عن إيران عامل ضغط جديد في أسواق النفط

منشأة نفط (ارشيفية)
منشأة نفط (ارشيفية)

لهب عطا عبد الوهاب*

واصلت أسعار النفط مسار هبوطها الأسبوع الماضي، وبلغ مزيجا خام "برنت" المرجعي، وخام غرب متوسط تكساس، ما دون الحاجز النفسي السيكولوجي البالغ 30 دولارًا للبرميل، بعد أن فقد 17 % من سعره منذ مطلع العام الجديد، ليحقق أدنى سعر له منذ العام 2004.اضافة اعلان
وهناك "معطيات"، أصبحت معروفة لدى المتعاملين في السوق، لعبت دورًا كبيرًا في الانخفاض الكبير في الأسعار منذ صيف عام 2014، حين هوى السعر من 115 دولارًا للبرميل إلى ما دون 40 دولارًا مع مطلع العام الجديد، ناهيك عن العوامل التي "استجدت"، وأبرزها "المواجهة" المحتدمة بين السعودية وإيران عملاقي النفط في المنطقة مع قرب رفع العقوبات المفروضة على طهران بسبب ملفها النووي المثير للجدل.
ويمكن تلخيص أهم عوامل تراجع الأسعار والعوامل الجديدة الطارئة على النحو التالي:
التخمة في الإمدادات وأسبابها: فائض في المعروض النفطي في الأسواق العالمية يتراوح بين 1.5 و2 مليون برميل يوميًّا مرده تضافر عدد من العوامل، لعل من أبرزها:
1ـ ثورة الوقود الصخري: وهي ظاهرة أميركية عزز من تأثيرها توفر التقنية اللازمة ممثلة في التكسير الهيدروليكي والحفر الأفقي ثلاثي الأبعاد، وقد أفضى هذا التطور إلى زيادة الإنتاج الأميركي (التقليدي منه وغير التقليدي) من 5.6 مليون برميل يوميًّا عام 2011 إلى 9.6 في العام 2015.
بيد أن هناك ما يشير إلى أن الإنتاج الأميركي سيأخذ منحنى نزوليًّا بمقدار 575 ألف برميل يوميًّا بدءًا من النصف الثاني من عام 2016، ولعل أبلغ دليل على التراجع المتوقع هو الانخفاض في عدد الحفارات العاملة في الولايات المتحدة إلى أقل من 665 حفارة، مقارنة بأكثر من 1600 حفارة عاملة عام 2014.
كما يحتاج الاستمرار في إنتاج النفط الصخري إلى تكلفة عالية، تتراوح بين 30 و75 دولارًا للبرميل، بينما تصل كلفة الإنتاج في دول الخليج العربية إلى أقل من 10 دولارات للبرميل.
2ـ السياسة الإنتاجية لـ"أوبك": انفض الاجتماع الأخير لـ"أوبك"، يوم 4 كانون الأول (ديسمبر)، دون التوصل لاتفاق حول حصص الإنتاج، مع الإبقاء على مستواه القائم البالغ 32 مليون برميل يوميًّا، بخلاف الإنتاج المستهدف الذي يبلغ 30 مليون برميل يوميًّا، وقد ازدادت شقة الخلاف بين أعضاء المنظمة الفاعلين في ظل الأحداث التي استجدت بالمنطقة. علمًا أن الإنتاج الحالي لـ"أوبك" يمثل ثلث الإنتاج العالمي البالغ 96 مليون برميل يوميًّا، مقارنةً بأكثر من 50 % من الإنتاج العالمي خلال عصر "أوبك" الذهبي إبان السبعينات من القرن الماضي.
3ـ الإنتاج من خارج "أوبك": كان لزيادة الإنتاج من خارج "أوبك" بشكل مطرد أثر ضاغط على الأسعار نحو الأسفل، خصوصًا بعدما تجاوز الإنتاج الروسي عتبة الـ10 ملايين برميل يوميًّا، ما يذكّر بإنتاجها القياسي في الحقبة السوفييتية. كما زاد الإنتاج في كل من النرويج والمكسيك بالإضافة إلى الزيادة الكبيرة في إنتاج البرازيل من المياه المغمورة، إذ تمكنت التقانة الحديثة من الوصول إلى أعماق كبيرة تزيد على 4000  قدم في المحيط الأطلسي قبالة الشواطئ البرازيلية.
ومن هنا تبرز أهمية الدعوة إلى التنسيق بين الدول المنتجة داخل "أوبك" وخارجها، للوصول إلى إعادة التوازن بين العرض والطلب.
المتغير الجديد في الساحة النفطية/ إيران تكشر عن أنيابها:
عمل الإجماع العربي لدعم المملكة العربية السعودية بعد الاضطرابات التي أحدثها إعدام رجل الدين "نمر النمر"، وتعرض السفارة السعودية في طهران وقنصليتها في "مشهد" للهجوم عقب ذلك، على نزع فتيل الأزمة، وصولاً إلى رأب الصدع، وإبعاد شبح الحرب عن المنطقة، إذ ستكون نتائجها كارثية على الجميع.
بيد أن العامل المهم الذي استجد في الأيام القليلة الماضية، هو اقتراب تفعيل قرار رفع العقوبات الاقتصادية المفروضة على إيران بالكامل، بعد أن أصبح قاب قوسين أو أدنى، خصوصًا أن وكالة الطاقة الذرية بصدد إصدار شهادة "حسن السلوك" لإيران بما يفيد امتثالها الكامل لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية، وذلك يعني استعادتها أرصدتها المحتجزة في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، والتي تصل إلى 100 مليار دولار، ويصبح في استطاعة إيران العودة إلى السوق من جديد بكامل زخمها الإنتاجي، إذ من المتوقع أن تزيد من صادراتها البالغة مليوني برميل حاليًّا إلى أكثر من 2.8 بنهاية العام الحالي لتصل بإنتاجها إلى أكثر من 4 ملايين برميل يوميًا بحلول العام 2017، بيد أن هذه الزيادة– سواء في الإنتاج أو التصدير– بحاجة إلى استثمارات أجنبية تتراوح بين 150 و200 مليار دولار لإعادة تأهيل صناعتها النفطية، خصوصًا بنيتها التحتية المتهالكة جراء السنوات العجاف الطويلة التي قضتها في ظل العقوبات الاقتصادية على خلفية ملفها النووي المثير للجدل.
نخلص مما ورد أن الفائض في الإمدادات يقابله انكماش في الطلب العالمي بعد تراجع النمو الاقتصادي في العديد من الدول الآسيوية الصاعدة، بالإضافة لانكماش النمو في الصين، ثاني أكبر مستهلك للطاقة في العالم، ما يشي بأننا ماضون نحو أسعار متدنية في النصف الأول من العام 2016 على أقل تقدير، على أن تسترد الأسعار بعضًا من عافيتها في النصف الثاني من العام، مع التراجع المتوقع في الإنتاج الأميركي، ناهيك عن الضغوط التي تمارس ضد "أوبك" لعقد اجتماع استثنائي لانتشال الأسعار من كبوتها الراهنة.
أسعار المشتقات في دول الخليج بعد قرارات رفع الدعم: أما على الصعيد المحلي والخليجي، فقد حذت مملكة البحرين حذو نظيراتها في دول مجلس التعاون الخليجي برفع الدعم التدريجي عن منتجات الطاقة في ظل الصعوبات التي تواجهها دول المنطقة نتيجة التدهور الكبير في أسعار الخام في الأسواق العالمية.
فقد أعلنت البحرين عن رفع أسعار البنزين بنسبة تزيد على 50 % في خطوة هي الأولى من نوعها منذ عام 1983. وبموجب الزيادة الجديدة فإن البنزين الممتاز (95 أوكتان) أصبح عند 160 فلسًا للتر (42 سنتًا أمريكيًا) والبنزين الجيد (90 أوكتان) 125 فلسًا (33 سنتًا أمريكيًّا). وقد أصبحت مملكة البحرين بذلك ثاني أعلى دولة خليجية في أسعار البنزين بعد دولة الإمارات والتي يصل سعر لتر البنزين بها إلى 0.58 سنت أميركي، ويلي البحرين المملكة العربية السعودية (0.36 سنت للتر) ثم قطر (0.35 سنت للتر) ثم سلطنة عمان (0.31 سنت للتر) وأخيرا الكويت (22 سنت للتر).
أما على مستوى العالم الخارجي، فقد أصبح موقع البحرين الحادي عشر عالميًا في قائمة الدول الأقل سعرًا، بعد أن كانت في المرتبة الخامسة قبل رفع الدعم، علمًا أن أرخص دولة في العالم في بيع البنزين هي فنزويلا إذ يصل سعر اللتر فيها إلى 2 سنت أميركي (5 فلوس بحرينية) فيما يعد الأعلى في هونج كونج بسعر 1.8 دولار/ لتر أو ما يعادل 682 فلسًا بحرينيًّا.