رفع الكهرباء.. الحل البديل

قد تتجه الأمور إلى حائط مسدود بين الحكومة ومجلس النواب بشأن رفع أسعار الكهرباء. وثمة من بدأ يضع سيناريوهات بناء على ذلك، آخرها رحيل مجلس النواب والحكومة معا. وقد يكون الأمر بهدف الضغط على النواب للتراجع، لكن الحاصل الآن هو أن قوى التأزيم مع الحكومة، والذين استغلوا كل فرصة سابقة لدفع الأمور إلى المواجهة والتصويت على الثقة، لكنهم خسروها كلها على التوالي، تلوح أمامهم حالياً فرصة غير مسبوقة. إذ إن أغلبية النواب سيجدون أنفسهم في حرج شديد بدعم الحكومة إذا ما أصرت على موقفها برفع أسعار الكهرباء.اضافة اعلان
لا أدري ما إذا كانت الحكومة مستعدة للدخول في مساومات من أجل حلول وسط. فالكهرباء، أصلا، لن تُرفع تعرفتها على الشريحة الأدنى، وهي تحت استهلاك 600 كيلو واط شهرياً، وتشمل الأغلبية الساحقة من المواطنين. والشكوى الرئيسة تأتي من الوسط الصناعي والسياحي، وقد يكون ممكنا التوصل إلى حل وسط بالنسبة لهؤلاء. ولا أستبعد أن تبدي الحكومة استعدادا للمساومة لهذا العام، ما دام مرجحا أن تستمر أسعار النفط على المعدل الراهن، لكن النواب يميلون إلى اجتراح نصر واضح أمام الرأي العام، يتمثل في تجميد الرفع.
من جهتي، أرى أنها مناسبة لوضع مقاربة جديدة كليا، تخرجنا من حوار الطرشان والشكوك بشأن الكلفة الحقيقية لانخفاض سعر النفط على الكهرباء، والحجم الحقيقي للدعم المقدم. وهذه المقاربة هي، ببساطة، نقل الدعم من المشتقات إلى فاتورة المواطن مباشرة. وهذه الفكرة طرحناها في اجتماع اللجنة المشتركة الأول، ووجدت صدى طيبا بين النواب.
والفكرة هي أن تخرج الحكومة من موضوع دعم أسعار المشتقات النفطية لشركات التوليد، وأن تشتري الشركات وقودها مباشرة بسعر السوق، وتخرج الفاتورة من شركات التوزيع بالسعر العادل وفق نسب الربح المقررة، وتحت الرقابة الدقيقة من الحكومة، وينتقل الدعم إلى فاتورة المواطن مباشرة.
مثلا، إذا كانت الفاتورة الصادرة هي مائة دينار بالسعر غير المدعوم، فتضع الشركة أسفل الفاتورة مبلغ الدعم المقرر، وتتقاضى الباقي من المواطن أو المؤسسة، فيما تدفع الدولة الفرق للشركة. وهذه الطريقة تعطي صورة واضحة ودقيقة عن حجم الدعم لكل شريحة أو قطاع. وهي طريقة تنهي الغموض حول حجم الدعم الحقيقي وآلية احتسابه، كما تنهي الشكوك بشأن أي تلاعب أو تمويه على الحقيقة بشأن كلفة النفط وفارق الدعم، وكم يذهب هنا أو هناك على الطريق.
هذا الأمر يتطلب طبعا تحرير سوق النفط، وخروج الحكومة من العملية كبائع ومشتر، لكن مع بقاء رقابتها على الأسعار، لكي تتمكن من تحديد الكلف الحقيقية على الشركات، وتحديد نسبة الربح وسعر البيع العادل للكهرباء. ونحن إلى جانب ذلك، ننهي احتكار الكهرباء، ونسمح لمن يرغب من المشغلين بدخول السوق؛ أكان من خلال مصادر الطاقة البديلة أو التقليدية.
لدي انطباع بأن الطريقة البديلة -أي توجيه الدعم مباشرة إلى المستهلك- سوف تكلف أقل كثيرا، وأن مبلغ الخمسمائة مليون دينار (الذي تقول الحكومة إنه سيكون كلفة الدعم لهذا العام حتى مع الرفع)، سيكفي ويفيض كثيرا عن المطلوب لدعم فاتورة المواطن مباشرة. ناهيك عن أن هذه الوسيلة سوف تقصر دعم الكهرباء للمواطنين ومؤسساتهم.
في الحقيقة، إن فكرة توجيه الدعم مباشرة للمستهلك أصبحت فكرة دارجة في جميع المجالات، بما في ذلك الخبز؛ إذ إن توجيه الدعم إلى الطحين يكلف الخزينة مالا إضافيا، وهدرا وفسادا، تزيد على ضعف الدعم الفعلي للمواطن.
آمل أن نقف أمام المأزق الراهن لاتخاذ قرار جذري بالتوجه الجديد، لنصيب عدة عصافير بحجر واحد.