رفيق الحريري بريء من دمائهم

منطقي استنتاج أن قتل "مندوب الأسد السامي" الأخير في لبنان؛ رستم غزالة، ضربا "وفسخا" ثم تسميماً، إنما يرتبط بدوره، وبالتالي ما يحمله من معلومات عن تنفيذ جريمة اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري في العام 2005. ويتعزز هذا الدافع بما يُروج الآن عن مرض خطير أصاب فجأة علي مملوك، استدعى إزاحته من قيادة مكتب الأمن القومي، بانتظار إعلان وفاته قريباً جداً، كما هو متوقع.اضافة اعلان
لكن السؤال الحقيقي هنا: لماذا الآن فقط، وبعد مرور عقد كامل على تلك الجريمة، صار محل شك ولاء هذين الشخصين اللذين يُعدان من أركان نظام الأسد؟ والوجه الآخر لهذا السؤال، في حال قبول التهم الموجهة بشكل غير رسمي وعلني لهما، هو: لماذا قررا الآن فقط إفشاء ما لديهما من أسرار في حالة غزالة خصوصاً (الحائز على بندقية "المقاومة" من حسن نصرالله شخصياً)، أو التواصل مع الأتراك وغيرهم من أعداء النظام في حالة مملوك؟ أياً كانت الإجابة، فإنها تظل في جوهرها بعيدة عن الخشية من كشفهما تفاصيل اغتيال الرئيس الحريري، من دون أن يمنع ذلك اعتبار تحقيق هذا الهدف "الثانوي" أمراً مرغوباً فيه حتماً.
فالإجابة الأولى المحتملة، إدراك غزالة ومملوك، وربما غيرهما من كبار الضباط الذين يتساقطون بشكل متسارع وغامض في الفترة الأخيرة، نهاية نظام الأسد، والحاجة إلى القفز من سفينته الغارقة. وهو ما لا يتعارض مع الاحتمال الثاني، الأكثر تداولاً، ورجحاناً في الوقت ذاته، بتولي إيران (وحزب الله) زمام الأمور مباشرة في حكم سورية، أو ما تبقى منها، بما يستدعي تصفية المعترضين من قيادات النظام المنهار فعلياً، تحت ذرائع شتى. ولعل ما يؤكد ذلك، بشكل أقرب إلى شديد الصراحة، هو حزب الله وأمينه العام.
فكما لفت الإعلامي اللبناني المبدع نديم قطيش، احتل خبر الظهور العلني "النادر!" لبشار الأسد، يوم الأربعاء الماضي، ذيل نشرة أخبار تلفزيون حزب الله، ولثوان معدودات فقط. لكن الأهم هو قول نصرالله في خطابه الأخير أن مليشياته ستذهب إلى مناطق لم تصل إليها في سورية.
فبعيداً عن ذرائع حماية المراقد ومقاتلة التكفيريين ولربما حماية الطيور المهاجرة، فإن منطقتين فقط لم يصل إليهما مقاتلو حزب الله، هما: المنطقة الشرقية التي يسيطر عليها تنظيم "داعش" أو يتواجد فيها بقوة؛ ومنطقة الساحل التي تعد معقل الأسد وأركان نظامه. وطبعاً، ليس يتوقع أحد أن يذهب حزب الله الآن إلى مقاتلة التكفيريين الحقيقيين في الرقة والحسكة. فلا يبقى إلا أن نصرالله يهيئ أتباعه للذهاب إلى الساحل السوري.
ولعل مثل هذه التطورات قد لا تكون استثنائية تماماً. فأحد التفسيرات الذي تدعمه التطورات في سورية طوال الفترة الماضية، لتفجير "خلية الأزمة" في العام 2012 (والذي أدى إلى مقتل وزير الدفاع داود راجحة، ونائبه آصف شوكت، ورئيس مكتب الأمن القومي هشام بختيار، ورئيس الخلية حسن تركماني)، أنه كان من تدبير إيران، خشية جنوح المقتولين إلى تسوية مع الشعب السوري، ولو عبر انقلاب على الأسد، تنقذ سورية كلها، إنما تتضرر منها حتماً إيران وحزب الله.
لكن إذا كان أكثر أركان نظام الأسد رسوخاً، وبينهم علويون، يعارضون الهيمنة والاحتلال الإيرانيين، فمعنى ذلك أن ما تفعله طهران قد لا يفيد إلا في كسب مزيد من الوقت لتدمير ما تبقى من سورية، ومعه استنزاف حزب الله خصوصاً بشرياً ومعنوياً.