رمزية كأس العرب

علاء الدين أبو زينة يلتئم الآن شمل فرق كرة القدم العربية في الدورة العاشرة لـ»كاس العرب» في قطر. وهو حدث عربي نادر، خاصة مع أزمة الوباء والأزمات السياسية والصراعات التي تلف عالَم العرب. ومن المفارقات أن تُقام الدورة في هذا الوقت الصعب بينما لم تُقَم في ظروف أفضل نسبياً في السابق. فقد أقيم هذا الحدث 9 مرات فقط في 58 عاماً قبل هذه الدورة، في علامة أخرى على صعوبة اجتماع العرب على شيء، حتى ولو مسابقة رياضية. الذي شاهد حفل افتتاح الدورة أول من أمس في ملعب «البيت» في الدوحة لا بدّ أن تكون قد تحركت فيه عواطف العروبة التي تراكم عليها غبار القُطريَّة وردة الفعل العبثية الساخطة على القومية بفعل الإحباطات. كانت ثيمة الافتتاح هي اجتماع العرب في مناسبة، وجمال هذا الاجتماع ضمن إطار –أي إطار، مثلما يفعل الأوروبيون واللاتينيون في مناسباتهم الرياضية القارية. ولأول مرة أيضاً، اعترف الاتحاد الدولي لكرة القدم بعروبة هذه الدورة، متجاوزاً رفضه لإقامة الأحداث الرياضية على أساس العرق أو القومية أو الدين. لكنّ من غير المنطقي أيضاً حرمان إقليم من 23 دولة تجمعها الهوية القومية الواحدة من إقامة حدث مشترك ضمن هذا الإطار الموحِّد. كان من الجميل ترديد مقاطع مختارة من الأناشيد الوطنية للدول المشاركة، متصلة وكأنها نشيد واحد، مع تجاهل أي مقاطع تؤكد على الأفراد أو الخصوصيات. وتراصفت صور أعلام الدول على أرضية الملعب، متلاصقة وكأنها علم واحد كبير غني الألوان. ووصف المعلقون الحدث بـ»العرس العربي»، في تأكيد يستحيل تجاهله على أن هذا الحدث يخص العرب، كأصحاب بيت كبير واحد برغم الجدران بين الغرف. كان لا بد من ملاحظة أن العرب، في آسيا وأفريقيا حيث يتواجدون، يتزعمون كرة القدم في القارتين. فعلى صعيد الدول، تحمل الجزائر في أفريقيا وقطر في آسيا كؤوس البطولة. وعلى مستوى الأندية، يحمل النادي الأهلي المصري كأس البطولة في أفريقيا والهلال السعودي كأس بطولة آسيا. ومهما يكن ما يعتقده البعض من هامشية منجزات كرة القدم أو أهميتها، فإنها تؤشر بالتأكيد على إمكانية تميز العرب بين الأمم التي تتقاسم معهم الجغرافيا إذا وضعوا قلوبهم في السعي إلى تحقيق هدف. وفي الحقيقة، تفخر كل دول العالم الأخرى بكسبها بطولات كرة القدم وبقية الرياضات، لأن هذا جزء من جملة المكاسب التي ترغب الدول في إضافتها إلى منجزاتها وتأكيد هوياتها. فلماذا لا نفعل نحن؟ كان من اللافت أيضاً إذاعة مقاطع من أغنيتين لفيروز، الفنانة التي يجتمع على حبها العرب: «سنرجع يوماً إلى حيّنا» و»سنرجع خبرني العندليب». وبقدر ما أراد المنظمّون القطريون الإشارة إلى عودة بلدهم إلى محيطه بعد خلاف، كما يبدو، فإنّ ارتباط هاتين الأغنيتين المعروف بفلسطين رُبّما يُقرأ على أنه إشارة ضمنية إلى حتمية العودة إلى فلسطين – رمزياً ومادياً- كقضية تجتمع عليها قلوب العرب، بغض النظر عن أي أشكال من التطبيع مع الكيان وما يبدو وكأنه انصراف العرب عن العناية بهذه القضية. في الحقيقة، سوف تظل الشعوب العربية معنيّة بهذه القضية، كما ينبغي لأمة استهدفها الاستعمار الصهيوني ورعاته في كرامتها وتطفل على جسدها عضو مختلف جينياً لتبقى كل أجهزتها الحيوية مختلة وظيفياً في كل مكان. وقد تفاعل الجمهور المتنوع الحاضر في الملعب بطريقة عفوية ومعبرة مع النشيد الوطني الفلسطيني بالتحديد، في دلالة على حتمية وجود فلسطين في قلوب كل العرب. بغض النظر عن أي اعتبارات، سوف يشعر العربي بالفخر لقدرة الشقيقة قطر على إقامة حدث بهذا التنظيم وعلى ملاعب متميزة عالمياً، تمهيداً لاستضافة المونديال العام المقبل. فبعد كل شيء، سوف ينظر العالم إلى أداء قطر على أنه أداء العرب في مجال ظلوا مستبعدين منه باعتبار أنهم أقل من أن ينظموا حدثاً عالمياً. ومن شأن اتجاه أنظار العالم إلى مثل هذه الأحداث أن يؤثر في التصويرات النمطية السائدة حول العرب في الغرب، الذي ينظر إليهم كوحدة ثقافية واجتماعية بينما ينكرون هم هذه الوحدة. احتفت ثيمة الافتتاح باجتماع العرب في مسابقة رياضية، لكنها أظهرت جماليات هذا الاجتماع وحيوية العاطفة الطبيعية تجاه الهوية الكبيرة الجامعة، وحجم الرضا المعنوي – والمادي- الذي ينجبه تأكيد هذه الهوية الجديرة بالإجلال.

المقال السابق للكاتب

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

اضافة اعلان